– يحاول بعض المحللين الربط بين قمة طهران وقمة جدة من باب عقد المقارنات المغرية، سواء لانعقاد القمتين في جغرافيا واحدة عملياً، أو لحضور أحد زعيمي القوتين العظميين عسكرياً، أميركا وروسيا في كل من القمتين، الرئيس جو بايدن من جهة والرئيس فلاديمير بوتين من الجهة المقابلة، أو لتقارب مواعيد انعقادها، بصورة يحلو معها القول إن قمة طهران ردّ روسيّ على قمة جدة، ولكن أي تدقيق في كل من القمتين يوصل إلى تبيان حجم اللاتوازن في هذا الاستنتاج، بل الإجحاف اللاحق بقمة طهران من خلاله، فصاحب قمة جدة، الرئيس الأميركي جو بايدن حدد لها هدفين معلنين، هما السعي لدمج «إسرائيل» في المنطقة من بوابة العلاقات بينها وبين دول جديدة في الخليج، والثاني هو زيادة كميات النفط في الأسواق، بما يسهم في تخفيض الأسعار، وبذلك تصبح قمة جدة مجرد إطار إعلامي لمطلبين أميركيين من السعودية مضمونهما، طبعوا مع «اسرائيل» علناً، وعليكم ضخ المزيد من النفط، والهدف تأثير تحقيق هذين المطلبين على انتخابات أميركية نصفية تجري بعد شهرين، ما يجعل القمة مجرد محطة تكتيكية، تنتهي مفاعيلها بعد شهرين، ترتبط بطلبات بين دولتين، ولذلك كان من السهل الحكم على القمة بالفشل لمجرد أن اتضح الجواب السعودي السلبيّ عملياً على المطلبين.
– قمة طهران ليست قمة بوتين كما كانت قمة جدة قمة بايدن، في قمة طهران يجتمع رؤساء ثلاث دول تجمعهم علاقة ندية، ليس بينهم صاحب إمرة على الآخر، وليس اجتماع الرؤساء الثلاثة مشروعاً لتلبية طلبات أحدهم من الآخرين، وليست القمة إطاراً لأحداث ذات مدى زمني ظرفي، فيما يعترف جماعة واشنطن بأن عناوين قمة طهران تتصل ببعدين لتكامل المقدرات الأمنية والاقتصادية للشركاء الذين انطلقت بينهم تجربة تعاون من خلال مسار استانة في سورية، البعد الأول هو السعي لإرساء نظام إقليميّ قادر على حل الأزمات في البلدان المجاورة التي لا يمثل فيها الحضور الأميركي عامل تعطيل كافٍ إلا بقدر فشل الشركاء الثلاثة بصناعة تسويات لخلافاتهم، وهو ما تقدم الحالة في سورية مثالاً حياً عليه، لكنه قابل للتطبيق على أفغانستان وأذربيجان والعراق، وفي حال النجاح يصلح لإطلاق مبادرات مشتركة تجاه ساحات أخرى مثل ليبيا وأوكرانيا واليمن، والبعد الثاني هو تطبيق مبدأ الشراكات المزدوجة، القائم على عدم اشتراط العمل مع شركاء في تطابق الرؤى والمواقف والتحالفات، كحال روسيا وإيران، بل كحال تركيا مع روسيا وإيران، حيث تركيا العضو في حلف الأطلسي الذي تقوده أميركا صاحبة قرار الحرب على روسيا وإيران، باقية في الأطلسي لكنها تتمايز عنه في سياساتها مع روسيا وإيران، سواء بالتمرد على العقوبات الأميركية التي تستهدفهما، أو باعتمادها سياسات ومواقف تنطلق مما تعتقده تعبيراً عن مصلحتها القومية. وهذا النموذج للشراكات المزدوجة هو رسالة لدول أخرى للانضمام الى النظام الإقليميّ الجديد الذي تؤسّسه قمّة طهران، رسالة للسعودية ومصر أولاً للانضمام، حيث يصبح متاحاً الحديث عن مبادرات جدية لحل أزمات ليبيا واليمن.
– البعد الاقتصادي في قمة طهران محوريّ، لكنه ليس ظرفياً، لأن الشركاء في قمة طهران أصحاب اقتصادات ضخمة ومؤثرة في المنطقة الواقعة بين القطب الشمالي والبحر المتوسط غرباً وصولاً للمحيط الهندي جنوباً والصين شرقاً، وهم على شراكات مع اقتصادات أضخم وأكبر مثال اقتصاد الصين والهند، وما يجمع هذه الاقتصادات هو أنها اقتصادات مستقلة أولاً، واقتصادات تعتمد على الأصول الثابتة للدول المعنية، وليس على مضاربات البورصات الافتراضية، فهي اقتصادات تمثل فيها الثروات الطبيعية والصناعة والزراعة أحجاماً حقيقية، واقتصاديات تجمعها حدود جغرافية مشتركة، وتربطها خطوط نقل تحتاج الى التشبيك والتطوير لتعزيز وتطوير التبادل بينها وعبرها، وتستطيع تجاوز نظام العقوبات بالانتقال إلى نظام تبادل بالعملات الوطنية للدول، وتستطيع أن تكون إحدى ركائز نظام مالي جديد قابل للتعايش والتساكن مع النظام القائم، لكنه اقتصاد حر من قيود الدولار، قادر على منح الاقتصادات فرص التنفس والنمو، وليس خافياً أن مثل هذا النظام المالي يعبر عن تطلعات تحملها دول البريكس التي تضمّ روسيا والصين والهند والبرازيل، وانضمت اليها ايران، وتقدّمت تركيا والسعودية ومصر بطلبات للانضمام إليها.
– النجاح في سورية، بتعزيز مفهوم الدولة الوطنيّة، والنجاح في التشبيك الاقتصاديّ ببناء نواة للسوق الإقليميّة الكبرى، يشكلان نقطة الانطلاق لنجاح قمة طهران في وضع رأس جسر استراتيجيّ جديد، يؤسس معادلات جديدة، وصولاً لعالم جديد.
ناصر قنديل
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال