تعتقد الجمهورية الإسلامية أن الأمريكيين هُزموا في أفغانستان، كما أن هروب قواتهم العسكرية بين عشية وضحاها من قاعدة باغرام الجوية يثبت صحة هذا الاعتقاد. وقد يؤدي فراغ السلطة الناجم عن وجود طالبان بأفغانستان إلى تنامي داعش ولاية خراسان و أيضا إلى نقل أجزاء من قواتها المقاتلة في العراق والشام وليبيا من قبل آباء التنظيم الروحيين، إلى أفغانستان بهدف مضايقة إيران وروسيا وإزعاجهما.
ولا ريب في أن طهران ستوظّف جميع الأدوات المتاحة لإدارة الأزمة الأفغانية بغية إرساء الاستقرار والهدوء وذلك عبر دعوة الحكومة الأفغانية وجميع الحركات والأطراف المناهضة، إلى السلام والمحبة والإخاء بعد تجنيد قواها. من بين جيرانها، تعد أفغانستان الجار الأكثر تشابهًا مع إيران ولديها العديد من القواسم المشتركة اللغوية والحضارية والثقافية والدينية معها، ما يحثّها على الإسراع في إنجاز هذه النيّة النبيلة بالتعاون مع طهران.
في المقابل، كانت تركيا قد أعلنت في وقت سابق عن قبول أفغانستان كعضو مراقب في مجلس الدول الناطقة بالتركية بحضور عدد من دول آسيا الوسطى خلال رئاسة الرئيس أشرف غني، ما يشير إلى أن أنقرة تتابع خططها بجدية مع كل حكومة ومجموعة من أجل تواجد دائم في أفغانستان.
وإذا استمرت تركيا في هذه الوتيرة، على ضوء الوضع الحالي، فسوف تحوّل أفغانستان إلى قنبلة موقوتة بجوار إيران، قد تُعرِّض الأمن القومي الروسي والصيني للخطر. أما التحدي الأكثر إلحاحا الذي يترتب على هذا الوضع هو التدفّق الهائل للمهاجرين الأفغان إلى إيران، الذين يعتزمون اللجوء إلى تركيا ثم إلى أوروبا، إلا أن قيام حكومة أردوغان ببناء جدار الفصل الحدودي بين ايران وتركيا والوجود الكبير للقوات التركية على الحدود المشتركة، جعلا الأمور لن تجري كما ينبغي. لأن أنقرة تنوي إقحام إيران وحدها في المشاكل التي يسببها اللاجئون الأفغان، حيث أخذت تبني الجدار الحدودي العازل منذ فترة طويلة وهو ما يكشف الغطاء عن خطط حكومة أردوغان الطويلة المدى وتحويل الوضع إلى أسوأ مما رأيناه.
و سيفضي انتشار تركيا على الحدود الشرقية الإيرانية إلى استكمال حلقة تطويقها لإيران، لأنها تتابع حصار إيران من شمال العراق إلى القوقاز وباكستان وأفغانستان وقطر، وسيكون لهذا القرار تداعيات مختلفة. في حين تسمح سياسات أردوغان البراغماتية له بإصلاح العلاقات مع جميع التيارات في أقصر وقت ممكن من أجل تأمين مصالحه.
هذا أن اتفاق أنقرة مع طالبان، الذي رحّبت به الحركة أيضا، سيلقي بظلاله على تحركات إيران في أفغانستان، حيث وقعت السوق الأفغاني تحت سيطرة تركيا التي تديرها في إطار إعادة إعمار الأفغانستان. وللأسف هناك أنباء مقلقة بشأن إمكانية خطر التطهير العرقي في أفغانستان وأماكن وجود الهزارة الشيعة والقوات القريبة من الجمهورية الإسلامية والناطقين بالفارسية، ويبدو أن هذا الجزء من سكان أفغانستان قد يحل محله أعراق أخرى. ومن الواضح أن تركيا ستتبع هذه السياسات بقوة أكبر في حالة زيادة وجود قواتها شمالي أفغانستان، من أجل إنشاء مركز تهديد جديد بجوار إيران.
ولن يقتصر وجود تركيا في أفغانستان على تواجدها العسكري فحسب، بل سيكون له أيضا العديد من المصالح الاقتصادية والتجارية تعود بفوائد كبيرة على أنقرة، بحيث قد تقدم تركيا على فتح ممر عبور شمالي أفغانستان، وتركمانستان وأذربيجان، وإذا أطلق مشروع الممر داخل أرمينيا فسيكون بمثابة بناء جدار غير مرئي لتطويق إيران وخلق تهديدات أمنية لها وحرمانها من عائدات العبور والشطب على اسمها من ممرات الطاقة والنقل، وما إلى ذلك.
تجدر الإشارة إلى أن جنوب أفغانستان هو منطقة نفوذ باكستان، حيث عززت حكومتُها التعاون مع تركيا ردا على التعاون الإيراني الهندي في ميناء تشابهار، في ضوء تضارب مصالح إسلام آباد مع طهران.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال