شهدنا في السنوات الأخيرة العديد من الخلافات والأزمات في القارة الخضراء حيث تعتبر كل منها قضية حيوية أو مصيرية للأطراف المعنية بها وقد استمرت لسنوات عدة، منها الخلافات الداخلية لأعضاء الاتحاد الأوروبي إلى المشاكل المتعلقة بالتقسيمات الجغرافية، والأزمات الاقتصادية أو التحديات الصعبة مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والصراع في أوكرانيا. لكن واحدة من أعقد الأزمات التي لم يتم حلها داخل القارة الأوروبية كانت مرتبطة بالخلافات والصراعات المتعلقة باستقلال كوسوفو عن صربيا قبل وبعد انهيار يوغوسلافيا السابقة. كوسوفو التي أعلنت استقلالها في عام 2008 من قبل سکانها الألبان، تعتبرها صربيا أنها مقاطعة جنوبية لها، ومن ناحية أخرى فإن بريشتينا – عاصمة كوسوفو المعلنة – ليست مستعدة لقبول اي خيار آخر سوى الاستقلال وذلك من أجل التفاهم مع بلغراد، فقد أصبحت كالبقعة العمياء في منطقة غرب البلقان في أوروبا. وتجدر الإشارة إلى أن صربيا ليست على استعداد لقبول كوسوفو كدولة مستقلة تحت أي ظرف من الظروف حتى بالنسبة لعضويتها في الاتحاد الأوروبي وتريدُ فقط التوصل إلى تفاهم مع السكان الألبان الأصليين وذلك في إطار دستور صربيا وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1244 الذي يعترف بكوسوفو كجزء من أراضي صربيا.
الآن وعلى الرغم من أن معظم دول العالم بما في ذلك صربيا و 5 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي (سلوفاكيا وإسبانيا ورومانيا واليونان وقبرص) والاتحاد الروسي والبرازيل والصين لم تعترف بكوسوفو كدولة مستقلة فإننا سنشهد خلال الأيام والأشهر الأخيرة أعمالا استفزازية من قبل قادة كوسوفو. حيث بدأ في الأيام الأخيرة عمل منسق بين رئيس كوسوفو فيوزا عثماني ورئيس الوزراء ألبين كورتي ورئيس برلمان كوسوفو جلاوك كونيفكا وبدعم من بعض الدول الغربية خلال حفل وقعوا فيه على طلب لعضوية الدولة في الاتحاد الأوروبي وعرضها على دول الاتحاد الأوروبي.[1] على الرغم من أن هذا الإجراء وحده لن يكون له ميزة لأي دولة إلا أنه من الناحية العملية سيكون عقبة كبيرة أمام الوصول إلى حل مستقر بخصوص هذه الأزمة. وعقب هذا الإجراء أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في بيان أن موسكو قلقة من زيادة التوترات في كوسوفو والتي تلقي باللوم فيها على المسؤولين الألبان “الراديكاليين” وأنصارهم الغربيين .[2] من جهة أخرى صرح جوزيف بوريل أن “كوسوفو لا تفي بالتزاماتها القانونية الدولية” فيما يتعلق بالأزمات بين صربيا وكوسوفو مشيرًا إلى أن دورة الأزمات يجب أن تنتهي”.[3] وفقًا لتحليلات العديد من الخبراء في الوضع الحالي للصراعات الأخيرة على حدود كوسوفو مع صربيا يمكننا التنبؤ والنظر في ثلاثة أنواع من الأحداث أو السيناريوهات المحتملة ؛ أولاً سيناريو انتشار النزاعات في أوكرانيا إلى منطقة البلقان وثانيًا سيناريو استفادة سلطات كوسوفو من الظروف الدولية وتحقيق أهدافها الخاصة وثالثًا سيناريو النزاعات التي لا تنتهي بين البلدين. ما هو مؤكد هو أن أيًا من هذه السيناريوهات المحتملة لن يفيد فقط الطرفين المتورطين في هذا الصراع بل سيؤدي في النهاية إلى أزمات متعددة في قلب القارة الخضراء. وفي هذا الصدد قالت إيكاترينا إنتينا رئيسة قسم الدراسات حول منطقة البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط في معهد العلوم في موسكو أن “الولايات المتحدة وحلفاءها في أوروبا يسمحون عمداً بأعمال استفزازية من قبل بريشتينا معتقدين أن النزاعات المحتملة يمكن التحكم فيها لكنها قد تكون مخطئة ويمكن أن يخرج الوضع عن السيطرة تمامًا.”[4]
في هذه الحالة تظهر ذروة نفاق الغربيين بقيادة الولايات المتحدة، فمن ناحية يعلن كريستوفر هيل المبعوث الخاص للولايات المتحدة في صربيا أن صربيا لها الحق في مطالبة الناتو بقيادة بعثة حفظ سلام في كوسوفو لنشر قوات في هذه المنطقة لكن من ناحية أخرى تعارض الدول الأوروبية ذلك كما ذكر وزير الخارجية الألماني في تصريحاته الأخيرة أن “خطاب صربيا بشأن قضية كوسوفو غير مقبول ويؤجج التوترات حولها “.[5] هذا في حين أن الدعم الغربي لقادة كوسوفو وتدخلهم في الشؤون الداخلية للدول قد أوصل الأزمة إلى مثل هذا الوضع غير القابل للحل. وهذا النفاق والاستغلال السياسي للدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة يجعل من وضع دول أوروبية صغيرة شبيهة بدول البلقان تحاكي الطبيعة الاستعمارية للقوى الغربية لأنهم ليسوا فقط لا يحترمون عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة ولكنهم موجودون في كل ركن من أركان العالم – حتى في أوروبا الموحدة – يجب أن تكون الأزمات التي يبدو من السهل جدًا حلها أكثر استمرارية حتى يتمكنوا من مواصلة سيطرتهم واستعمارهم تحت ضغط الأزمات. ولهذا السبب اتهم رئيس صربيا ألكسندر فوجيتش، مرارًا وتكرارًا حكومة كوسوفو بانتهاك الاتفاقيات القائمة بدعم من الغربيين وأعرب مؤخرًا عن قلقه من تصاعد التوترات في هذه المنطقة وصرح: كان من الخطأ الكبير قبولنا بالاتحاد الأوروبي أن يكون وسيطاً في قضية كوسوفو.”[6] كما أشار في تصريحات أخرى عندما كان يعبر عن انتقاداته لعدم تنفيذ الاتفاقات السابقة التي أبرمتها كوسوفو وعدم وجود ضمان قطعي لتنفيذ هذه الاتفاقات أشار بأصبع الاتهام للأمريكيين وشركائهم في أوروبا لأنهم وراء عدم حل هذه المشاكل. وكان قد أعلن “من الذي كفل التنفيذ الصحيح للاتفاقيات السابقة؟ الأمريكيون أم الذين سيأتون من المريخ؟”[7] فهي نفسها الولايات المتحدة الامريكية وشركائها في الاتحاد الأوروبي بتدخلاتهم ودعمهم المشكوك فيه، ليس فقط امتنعوا عن المساعدة في حل الأزمة بل باستخدامهم أساليب ومبادرات غير ملائمة، فقد أصبحوا عقبة كبيرة أمام تحقيق سلام دائم لقضية داخلية لدولة مستقلة.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن صربيا تعتبر كوسوفو التي أعلنت استقلالها من جانب واحد في عام 2008 جزءاً من أراضيها. وعملية التفاوض بين بلغراد وبريشتينا التي بدأت في عام 2011 بوساطة من الاتحاد الأوروبي بحجة تطبيع العلاقات هي في نهاية المطاف بهدف إيجاد الاعتراف ببعضهما البعض بين البلدين وفعلياً لم يتم قبول أي منهما بشكل كامل وخاصة الجانب الصربي. إن عملية المفاوضات بين كوسوفو وصربيا والتي جاءت مع بداية التوترات المستمرة والتقاعس الكبير و الدعم غير المجدي بتدخل الاتحاد الأوروبي بين البلدين، غالباً سيكون غير ناجح وبدون أي نتائج.
[1] https://rg.ru/2022/12/14/lidery-nepriznannogo-kosovo-podpisali-zaiavku-na-vstuplenie-v-es.html
[2] https://tass.ru/politika/16571921
[4] https://rg.ru/2022/12/12/spiral-na-predele.html
[5] isna.ir/xdMW2m
[6] snn.ir/004LUE
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال