تعود جذور سياسة العصا والجزرة مع اقتصاد لبنان وسوريا ودول محور المقاومة عمومًا لأزمنة بعيدة، عبر مقاربة معروفة مفادها أن الانتعاش الاقتصادي مقابل التفريط والتطبيع بينما الحصار مقابل الالتزام بخيار المقاومة.
وربما كان المشروع الأكثر صراحة ووقاحة في هذه المقاربة، هو مشروع شيمون بيريز المعروف بالشرق الاوسط الجديد والذي حمل تفاصيل عديدة تصب كلها في عنوان واضح يمكن تلخيصه في مصطلح “السلام مقابل الغذاء”!
وهذا الكود الاسرائيلي لا يقتصر على محور المقاومة فقط بل يشمل كل من تسول له نفسه اتباع خيار المقاومة والخروج عن خط التطبيع، وهو ما تم تكثيفه في الآونة الأخيرة بعد ما أحدثته المقاومة من معادلات وما غيرته من توازنات، لينصب الجهد الأكبر في الحصار على سوريا ولبنان، بحكم الطوق الذي يشكلانه على العدو الصهيوني.
وفي آذار/ مارس 2014 بدأ تدشين تصور لما يعرف بـ “مشروع الشام الجديد” عبر دراسة أعدّها البنك الدولي، بخريطة جغرافية أوسع من الشام، واشتملت على دول بلاد الشام، سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينيّة، بالإضافة إلى تركيا والعراق ومصر.
وما نناقشه هنا هو حقيقة النوايا الأمريكية التي كشفتها السقطة السياسية للسفيرة الامريكية في لبنان عندما ابلغت الرئيس عون بالسماح لحل مشكلة الكهرباء عقب خطاب السيد نصر الله الذي أعلن خلاله استجلاب الوقود الايراني.
هنا لا يوجد تفسير آخر لخطوة السفيرة، غير أن التصور الأمريكي لمسارات الغاز والكهرباء “والتي هي نفس مسارات مشروع الشام الجديد” هو انه بديل لأي تواجد ايراني في المنطقة، وان الغرض منه ومن دراسة البنك الدولي هو اخراج ايران من الشام وبالتالي عزل محور المقاومة واستبدال الخيار المقاوم بخيار الانفتاح الاقتصادي على غرار ما حدث في مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد!.
أي أن التصور الامريكي للشام الجديد هو أنه حلف مماثل لحلف بغداد الذي تم تدشينه لمواجهة جمال عبد الناصر وحركات التحرر الوطني في الخمسينيات بذريعة مواجهة “المد الشيوعي”، وهذه المرة بذريعة مواجهة “النفوذ الايراني”!
وهنا لا نريد الذهاب إلى تطابق التحركات والنوايا المصرية والعراقية والأردنية الراهنة والسعي لتطبيق مشروع “الشام الجديد” عبر مؤتمر دول جوار العراق نهاية الشهر الجاري، مع النوايا والمنظور الأمريكي لهذا المشروع، فقد يكون للتحركات الراهنة نوايا أخرى تخص التعاون وحل الأزمات، وليس بالضرورة تنفيذ المخطط الأمريكي، حيث لم تثر هذه التحركات حفيظة محور المقاومة، ولم تبد اعتراضات أو تخوفات، بل أعطت إشارات مرحبة.
ترحيب الولايات المتحدة بمؤتمر دول جوار العراق والذي لم تتم دعوة سوريا اليه، هو ترحيب مشبوه، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في بيان إن واشنطن ترحب بالخطوة، ووصفها بأنها “خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية الإقليمية بين مصر والعراق والأردن ودفع الاستقرار الإقليمي”.
كما أن مشاركة ماكرون ووزير الخارجية الامريكي ودعوة اليابان ودول خليجية وتركيا دون دعوة سوريا، تشي بأن المؤتمر عليه ضغوط ويرسل اشارات خاطئة بأنه موجه ضد أطراف أخرى!
وهنا تأتي أهمية خطوة المقاومة في التأكيد على مسارها الجديد ورسم معادلة سياسية جديدة، على غرار ما رسمته من معادلات عسكرية جديدة، ويمكن تلخيص هذه الأهمية كما يلي:
1- اكد السيد نصر الله اأن هناك سفينة أخرى قد أبحرت، وأن سفنا أخرى في الطريق، وهو ما يعني أن السفينة الاولى لم تكن فلتة، ولم تكن مناورة، وإنما مسار جديد مفاده أن الإذلال مرفوض وعهد تركيع الشعب اللبناني قد مضى، وأن المقاومة تمتلك كامل الحرية والصلاحية في حماية لبنان وشعبه ودولته من الذلة، وأن هذا المسار لا يعد تجاوزًا للدولة بل حماية لها ولسيادتها وحفظا لكرامتها.
2- تأكيد السيد نصر الله على امكانية جلب شركات ايرانية للتنقيب عن الغاز والطاقة ممن لا يخشون العقوبات الأمريكية وفي حماية المقاومة من أي اعتداء صهيوني، هو تأكيد على أن المعطل الرئيسي لازدهار لبنان هو امريكا، وهو كشف لحقيقة المعطلين، وقلب للطاولة على المؤامرة التي تحاول تصوير الازمة بأنها نتيجة المقاومة وسلاحها، بينما قدمت المقاومة البدائل وتعهدت بحمايتها واقامت الحجة على المتآمرين والمعطلين.
3- رحبت المقاومة بكل جهد يكسر الحصار ولم تمانع في أي حل مصري أو سوري أو أردني عبر أي مسار أو مشروع يخدم الشعب اللبناني، وهو سلوك وطني ونبيل، يشي بأن المصلحة العليا وليس التوجه السياسي هي البوصلة الرئيسية للحزب.
هنا أكدت المقاومة أن الجمع بين الحسنيين المتمثلين في الازدهار والاستقلال الوطني ممكن ومتاح، وان الكرامة والمقاومة لا تتعارضان مع التنمية، وان المقاربة الصهيو- امريكية التي تخير بين السلة والذلة، لا يرضخ لها الا العبيد، بينما للمقاومة منطق وخيار أخر وهو “هيهات منا الذلة”.
إيهاب شوقي
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال