لا العقوبات الأمريكية ولا القصف الإسرائيلي يمكن أن يعرقل الطريق اللوجستي لمحور المقاومة 20

لا العقوبات الأمريكية ولا القصف الإسرائيلي يمكن أن يعرقل الطريق اللوجستي لمحور المقاومة

نجحت إيران في العقود الأخيرة في تحويل أخطاء الحكومات الأمريكية المتعاقبة في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط إلى فرص لها.


ولعل أكبر خطأ يرتكبه الأمريكيون (إلى جانب غزو أفغانستان) هو زعزعة استقرار العراق وسوريا؛ خطأ أدى إلى فتح طريق بري من طهران إلى بيروت. وقد اعترف العديد من الخبراء بوجود هذا المسار وأطلقوا عليه تسميات مختلفة؛ مثل “الممر البري بين طهران والبحر الأبيض المتوسط”.


في تقرير حديث بعنوان “طريق محور المقاومة من طهران إلى بيروت مفتوح وآمن”، استخدم موقع “كريديل” التحليلي مصطلح “طريق الخدمات اللوجستية لمحور المقاومة” لوصف هذا المسار.


يشرح هذا الموقع المتخصص في قضايا منطقة غرب آسيا في تقريره، كيف أن هذا الطريق البري لنقل البضائع العسكرية التجارية من طهران إلى بيروت مفتوح الآن ويخضع لسيطرة قوات هذا المحور، ولا العقوبات الأمريكية ولا القصف الإسرائيلي يمكن أن يغير هذا الواقع. نقدم لكم فيما يلي أهم ما ورد في هذا التقرير.


اندلعت حروب كثيرة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين لهزيمة “محور المقاومة”، أو على الأقل تعطيل خطوطه اللوجستية واللوجستية. وفي كل من هذه المعارك، يستخدم الطرفان عدة أطنان من الذخيرة والقنابل والصواريخ، وغالباً ما يتم إفراغ ترساناتهما.


ولذلك يجب على أي من الطرفين تجديد ترسانته من أجل المواجهة التالية، أو على الأقل الإظهار للعدو قدراته المتزايدة واستعداده وإمكانية وصوله إلى الموارد العسكرية الحيوية. وفي معظم الحالات، يعتبر هذا الأمر استراتيجيةً رادعةً قيمةً تستخدم لمنع الحرب.


لكن بما أن الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة فشلا في تحقيق أهدافهما من خلال حرب 2006 ضد لبنان واحتلال العراق وشرق سوريا على التوالي، فإن هدفهما قد تغير بشكل أساسي، وركزا على قطع خطوط الإمداد للبنان والعراق وسوريا: أي قطع الطريق (اللوجيستي) لمحور المقاومة.


وكان الهدف منع أعضاء محور المقاومة (إيران وسوريا وحزب الله وحماس وجماعات المقاومة العراقية) من إعادة تسليح أنفسهم، أو تحديث أسلحتهم قبل المواجهة العسكرية القادمة. وهكذا بدأ التنافس بين التحالف الأمريكي الإسرائيلي ومحور المقاومة على السيطرة على الوصول إلى طريق طهران – بيروت السريع الحيوي.


تحقق هذا النجاح (فتح هذا الطريق) لأول مرة من قبل محور المقاومة عندما حرر معبر البوكمال-القائم على الحدود السورية العراقية، وسيطر عليه بالكامل. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا المعبر مركزاً للموارد التجارية والاستهلاكية الحيوية، وهو ما حاولت الولايات المتحدة وقفه من خلال فرض عقوبات صارمة على إيران وسوريا، ومنع أي دعم عراقي للبلدين؛ بالطبع حاولت لكنها لم تستطع.


ومع ذلك، لم يصرح أحد بهذه الهزيمة الأمريكية الدراماتيكية؛ لا الأمريكيون أنفسهم ولا أعداؤهم. وبالنسبة لمحور المقاومة، يكفي أن يصل كل شيء يريده عبر إيران والعراق وسوريا ولبنان إلى وجهته دون عوائق.


وفي هذا السياق، فإن السفر من مدينة “القصير” على الحدود السورية اللبنانية إلى “تدمر”(في وسط سوريا تقريباً) آمن، على الرغم من عشرات نقاط التفتيش على طول الطريق. ويسيطر الجيش السوري على هذه المنطقة، ويمنع تنقل الأشخاص بين المحافظتين من دون وثائق صالحة. العديد من السوريين الذين يعيشون في هذه المحافظات، هربوا إلى مناطق أكثر أماناً هرباً من حكم داعش، وهم الآن يعودون ببطء لرؤية منازلهم المهجورة والانتقال إليها.


منطقة “بادية الشام” أيضاً هي الأخرى أصبحت آمنةً نسبيا، بعد شهور من الهجمات العمياء لفلول داعش على المسافرين. وحسب ضباط الأمن، فإن معظم مقاتلي داعش (المتمركزين هنا) كانوا من سكان هذه المنطقة ومحيطها، الذين فروا في عامي 2017 و 2018، عندما هُزم داعش على يد القوات الحليفة لسوريا.


ومنذ ذلك الحين، تم نشر عدة ألوية أمنية خاصة من تدمر إلى دير الزور، ولا يزال آخرون يقومون بدوريات في البادية السورية لملاحقة مقاتلي داعش. لكن السفر عبر البادية لا يزال غير آمن، والطريق الرئيسي الذي يستخدمونه يمر عبر بلدات “السخنة” و”كباجب” و”شولا” و”دير الزور”. ومن دير الزور إلى الحدود العراقية، وهو الطريق الذي يمر عبر مدن “الميادين” و”الصالحية” و”ابوكمال”، آمن ومحمي بالكامل.


وعندما صدر قرار فتح هذا الطريق والقضاء على تنظيم داعش في مدن شرق نهر الفرات، حاول الجيش السوري وحلفاؤه تحرير منطقة التنف الحدودية على الحدود مع العراق (والأردن). لكن المقاتلات الأمريكية تدخلت وهاجمت هذه الكتائب وقتلت أكثر من 50 من أعضائها لمنع هزيمة داعش. فأدركت غرفة العمليات العسكرية المشتركة لمحور المقاومة، أن الخطة الأمريكية كانت تقضي بفصل سوريا عن جيرانها، لأن حدودها مع الأردن مغلقة من قبل.


شارك الفريق قاسم سليماني، شخصياً كمستشار في الهجوم على الميادين والبوكمال؛ حتى قبل تحرير دير الزور.


كان الفريق سليماني يريد الوصول إلى الحدود السورية والعراقية قبل الأمريكان والسيطرة عليها. وكان يخشى أن تحول الولايات المتحدة هذه المنطقة إلى “منطقة محايدة”(منطقة محظورة) من أجل منع حرية الحركة بين العراق وسوريا.


اللواء السوري الدرزي “عصام زهر الدين”(الذي قُتل لاحقاً بانفجار لغم أرضي بعد هزيمة داعش في دير الزور)، قاتل إلى جانب قوات وحدة “رضوان” الخاصة التابعة لحزب الله، وتمكن من منع داعش من احتلال المطار وجزء من دير الزور؛ على الرغم من الضربات الجوية الأمريكية التي هدفت إلى مساعدة داعش على التسلل إلى المطار وقتلت وجرحت أكثر من 200 جندي سوري، لكنها فشلت في النهاية.


عندما تم اتخاذ قرار تحرير المحافظة بأكملها، لم يقلق الشهيد سليماني كثيراً بشأن مدينة دير الزور، لأن القوات الخاصة السورية المدعومة من روسيا (المعروفة باسم “لواء النمر”) كانت تدمر مسبقاً مواقع داعش هناك.


كما نسق الفريق سليماني إجراءاته مع المقاومة العراقية. وبهذه الطريقة، طارد داعش على طول الحدود السورية مع مدينة القائم في العراق، من أجل محاصرة وتدمير هذه المجموعة الإرهابية من الجانبين. أخيراً تم تحرير أبوكمال-القائم بعد قتال عنيف، وفُتح المعبر الحدودي الوحيد الذي كان يسيطر عليه الجيش السوري وحلفاؤه؛ فلم تعد سوريا معزولةً عن جيرانها.


فُتح الطريق بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت، ولأول مرة منذ صدام حسين أصبح تحت سيطرة محور المقاومة. الطريق البحري لا يكفي لتلبية جميع الاحتياجات اللوجستية لهذا المحور؛ ولهذا كان من الضروري فتح الطريق البري بأي ثمن. وكانت الولايات المتحدة وإسرائيل على علم بهذه بالخطة، لكنهما لم يكونا في موقع يسمح لهم بعرقلتها.


على طول الطريق، هناك عدد لا يحصى من المنازل المهجورة التي أطلقت عليها قذائف الهاون، لتذكير المارة بخطورة الصراع. الجيش السوري يمنع بشكل صارم كل من ليس من سكان المحافظة على حواجزه. والأمريكيون يسيطرون على الجانب الآخر من النهر، ويمكن رؤية آبار النفط والغاز من بعيد بالعين المجردة.


العديد من الناس هنا كانوا أيضاً من مقاتلي داعش، وكانت نسبة صغيرة فقط من قوات داعش هنا من الجهاديين الأجانب، وهذا سبب آخر يجعل السفر الليلي هنا غير آمن.


في الليل، يتضح أن الكهرباء هنا ليست موصولةً بعد. ومن وقت لآخر، يسمع صوت عدد قليل من المولدات الشخصية. ومع ذلك، خلال النهار، يزداد عدد المولدات؛ ويقوم المزارعون بتشغيل مولداتهم لضخ المياه إلى حقولهم.


هذه المنطقة غنية بالزراعة، وعلى الرغم من الاحتلال الأمريكي للحسكة و”الحزام الغذائي”(المناطق الهامشية حيث يتم حصاد الغذاء)، إلا أنها تنتج ما يكفي من القمح لتوزيعه على المحافظات خارج دير الزور.


عند بوابة البوكمال، هناك لوحة كبيرة تحمل اسم المدينة، وصورة للرئيس بشار الأسد، والعلم الوطني السوري. كما تزدهر السوق المحلية للخضار والفواكه خلال النهار، على الرغم من أنه لا يمكن مقارنتها بـ “الأسواق” القديمة في دمشق أو حلب.


والمنازل من طابق واحد أو طابقين. والطابق الأرضي للعديد منها محال تجارية. والعديد من الفيلات الخاصة تزين هذه المدينة الحدودية. ومن المستحيل عدم رؤية صورة كبيرة للفريق قاسم سليماني (قائد قوة القدس الإيرانية)، وأبو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي العراقي، اللذين ساعدا في تحرير العراق وسوريا، وخاصةً مدينة البوكمال، من داعش.


عندما جاء الشهيد سليماني إلى هذه المدينة، استخدم إحدى الفيلات الخاصة كمقر له. وفي نهاية مهمته، كتب رسالةً بخط يده إلى المالك واعتذر عن استخدام منزله. ثم وضع الرسالة في الفيلا وكتب رقمه، حتى يتمكن المالك من الاتصال به إذا لزم الأمر.


تبعد البوكمال كيلومتراً واحداً عن مدينة القائم على الحدود العراقية. والطريق بين المدينتين مليء بالشاحنات ومعظمها من العراق، وقليل منها يذهب من سوريا إلى العراق.


أقام العراق نقطة تفتيش حدودية للسماح بدخول البضائع إلى سوريا؛ رغم أن بغداد تتبع بشكل أساسي العقوبات القوية المفروضة على دمشق من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.


وليس بعيداً عن الطريق الرئيسي الخاضع لسيطرة مشتركة للجمارك السورية والعراقية، هناك طريق آخر تمر عبره الشاحنات من إيران والعراق إلى سوريا ثم إلى لبنان. هذه الشاحنات لا تفتح في الطريق ولن تدخل لبنان إلا بعد موافقة السلطات السورية. وتمكن محور المقاومة أخيراً وبعد سنوات من المحاولة والتغلب على التحديات الخطيرة، من تأمين طريق الإمداد الخاص به.


القوات الإسرائيلية والأمريكية استهدفت هذه المنطقة عشرات المرات. وفي العام الماضي دمرت الطائرات الإسرائيلية مستودعات وقواعد عسكرية ومتاجر مستقلة كبيرة هنا، لكنها لم تتمكن من تقييد تدفق الإمدادات إلى محور المقاومة، أو منع تجديد المستودعات أو إعادة بناء المباني التي دمرتها القوات الجوية المعادية.


كما قصفت إسرائيل آلاف السيارات والشاحنات والثلاجات التي ملأتها الجمعيات الخيرية الإيرانية لتوزيعها على سكان المنطقة. تكتسب إيران ولاء وقلوب السكان المحليين من خلال التصرف بطريقة مختلفة ومعارضة بشدة لأعمال داعش المروعة والعقابية.


ولا يخفى على أحد أن أهالي البوكمال أنفسهم على علم بتراجع العديد من القوات المتمركزة في مدينتهم، ولم تعد هناك حاجة لنشر قوة كبيرة بشكل دائم في ابوكمال.


لا يزال الطريق اللوجستي للمقاومة آمناً، وفتحت إيران مسارات عدة: “تكريت-حديثة القائم”، “بغداد – الرمادي – القائم” و”الديوانية – الحلة – الفلوجة – القائم”. وهذا يعني أنه منذ هزيمة داعش، وعلى الرغم من أكثر من ألف هجوم إسرائيلي، لم يتم قطع التبادل التجاري بين إيران والعراق وسوريا، ولا طريق الإمداد لمحور المقاومة حتى ليوم واحد.


إن الوجود العسكري الأمريكي عند معبر التنف الحدودي بين العراق وسوريا، لا يخدم أي مصلحة وطنية للولايات المتحدة ولا يزيل أي تهديد يستهدف واشنطن. لكن هذا الوجود العسكري لا يزال مستمراً ليطمئن إسرائيل اليائسة(رغم القصف المستمر لسوريا)، والتي تخشى أن تكون وحيدةً في مواجهة المقاومة. والحقيقة هي أن الولايات المتحدة تعمل لمصلحة إسرائيل فقط، وأبقت مئات من جنودها في هذه المنطقة للاحتلال وإثارة الصراع في بلاد الشام.


ولكن إلى متى يمكن لإسرائيل أن تتمسك بهذه المظلة الأمنية الأمريكية؟ لاحظوا الانسحاب الجماعي المفاجئ للولايات المتحدة من أفغانستان. عقدان وتريليون دولار(ربما أكثر من 3.2 تريليونات دولار) تكلفة، دون تحقيق الأهداف الأولية المحددة في عام 2001، أضعف بواشنطن. كما تراجعت القوة السياسية والاقتصادية الأمريكية بشكل كبير منذ ذلك الحين. وهناك أدلة على أن السيناريو نفسه سيحدث عاجلاً أم آجلاً في سوريا.


الضربات الجوية الإسرائيلية لم تمنع تسليح محور المقاومة والاستعداد لقتال تل أبيب عندما تقرر الأخيرة بدء الحرب المقبلة. كما تمكن حزب الله من تخزين مئات الصواريخ الدقيقة في ترسانته أمام أعين الإسرائيليين، دون أن تتمكن تل أبيب من التدخل والعرقلة، وهذا يعني أن محور المقاومة انتصر في هذه المعركة وفتح طريقه: أي طريق طهران – بيروت مفتوح الآن وآمن.


المصدر: الوفاق

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال