تسارعت التطورات في منطقة جنوب غرب آسيا بعد عملية 7 أكتوبر التي نفذتها حركة حماس ضد إسرائيل، وحدثت خلال هذا العام الكثير من الأحداث المفاجئة التي تجاوزت الخطوط الحمراء آخرها كان اغتيال قائد حزب الله لبنان السيد حسن نصر الله حيث أقدمت إسرائيل على هذا العمل دون الاكتراث بمخاطر إلقاء القنابل على المدنيين العزل. بالطبع لا ينبغي أن تُغيّب سرعة هذه التحولات الناس عن مسألة مهمة وهي عدم الوثوق بالمنافقين والكاذبين.
نتنياهو واستراتيجية التفريق
أعلن رئيس وزراء إسرائيل مؤخرًا في رسالة إلى الشعب الإيراني أن إسرائيل تسعى لإنقاذ الشعب الإيراني من حكام هذا البلد وأن الشعبين اليهودي والإيراني لا توجد بينهما مشاكل. تُظهر هذه الرسالة بوضوح أن إسرائيل لا ترى أن المواجهة المباشرة مع الجمهورية الإسلامية بعيدة عن الذهن، بل تسعى إلى إيجاد شرخ بين شرائح الشعب الإيراني وزيادة هذا الانقسام ثم السيطرة على الجمهورية الإسلامية.
لكن هل حقًا تدعم إسرائيل الشعب الإيراني وتعتني بمصالح هذا البلد، أم أنها تحاول ربط مصالحها بمصالح الشعب الإيراني مستخدمةً عدم الرضا الداخلي لتحمل أعباء وتكاليف أقل؟ من خلال نظرة بسيطة إلى هذه السطور القليلة من أقوال نتنياهو، يمكن فهم أن هدفه يتجاوز دعم الشعب الإيراني بل الهدف بالأساس هو تدمير إيران. يمكن رؤية ذلك في عبارات مثل "الشعب اليهودي وإيران" حيث يضع الدين بجانب القومية. في الواقع لم يقل "يهودي ومسلم" أو "إسرائيلي وإيراني" بل استخدامه المدروس لكلمة يهود وإيران يدل على نظرة دينية ونظرته العليا إلى قضية الأمن الإسرائيلي.
حسب تعاليم الكتاب المقدس لليهود إذا قمت بالهجوم على مكان ولم يكن شعبه مستعدًا للسلام والاستسلام فأنت مُصرح لك بتدمير كامل تلك الأرض. بجانب هذه المفاهيم الدينية والتي بالتأكيد تم تحريفها يعتبر اليهود أنفسهم أفضل أمة وتسيطر على الحق في العالم. هذا النهج الخاص بهم أدى إلى عدم التوافق مع المذاهب الأخرى والشعوب الأخرى على مر السنين.
ضف على ذلك ينبغي الانتباه إلى أن نتنياهو يسعى لزيادة الفجوة في الجبهات الداخلية الإيرانية فقد حدث شيء مشابه لذلك في لبنان حيث استهدفت القوات الإسرائيلية فقط مواقع حزب الله وتجنبت استهداف مناطق الدروز وغيرها. من خلال هذا النهج تمكنت إسرائيل من خلق اختلافات بين القوى الداخلية في لبنان حيث تمكنت من الحصول على معلومات مهمة وقيمة بسهولة.
الآن يسعون لاستمرار هذه الاستراتيجية في إيران. لكن الحقيقة هي أنه بعد التفوق على حزب الله، ستتجه إسرائيل نحو القوميات الأخرى في لبنان لأنها لا ترى أي تهديد أو عائق أمامها من أجل السيطرة والاستيلاء. هذه الاستراتيجية القديمة التي تم تكرارها عبر التاريخ لها نتيجة واحدة دائمًا: ندم الجماعات التي لم تضع خلافاتها جانباً مقابل وحدتها.
بعبارة أخرى هي استراتيجية قديمة لكنها فعالة ولا تزال سارية وينبغي للناس أن يراقبوا المستقبل وأن يعملوا تقييمًا للأفعال السابقة للطرف الذي يقدم الوعود. في هذا السياق يُعتبر نتنياهو كاذبًا وماكرًا يسعى دومًا لتأمين مصالحه الخاصة. لقد أظهر تقريبًا عدم اهتمامه بحياة الرهائن الإسرائيليين، وبدلاً من ذلك سعى لتحقيق أهداف أخرى مثل زيادة التوترات من خلال إطالة أمد المفاوضات. إن الاعتقاد بأنه قام بذلك دون تنسيق مع الولايات المتحدة هو أمر بعيد عن المنطق ويجب قبول أنه حدد مصالحه الشخصية ضمن إطار مصالح أمريكا. لذلك تمكن من القيام بأعمال إجرامية بطريقة غير محدودة.
لذا من الضروري أن يكون الشعب وليس فقط في إيران بل في لبنان والدول الأخرى المعنية واعيًا جيدًا بأن إسرائيل لا تهتم حتى بحياة رهائنها ربما لأنهم في الحقيقة ليسوا يهودًا وبالتالي فهي لا تقيّم الشعوب في مناطق أخرى من العالم بنفس القدر. إن وعودها في إحداث الفتن هي فقط لتقليل تكاليف الهجمات الإسرائيلية، وإذا حدث ذلك فسوف تتحول أراضٍ كثيرة إلى خراب لأن إسرائيل ونتنياهو يعتبران أن القضية الأكثر أهمية هي أنفسهم. يجب على القادة العرب أيضًا أن يفهموا جيدًا أن الوجهة التالية لإسرائيل ستكون دولهم ومن يعتبرون أنفسهم محايدين وآمنين في هذه الظروف بلا شك سيتعرضون لعواقب وخيمة في المستقبل.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال