لعل أبلغ ما قاله سماحة السيد حسن نصر الله عندما انطلقت الباخرة الإيرانية الأولى باتجاه لبنان، أنها فور ابحارها “سوف تصبح أرضاً لبنانية”، وإننا “لا نريد أن ندخل في تحدٍ مع أحد، لو أنّهم رفعوا عقوباتهم عن لبنان، وسمحوا للبنانيين بأنّ يعيشوا حياتهم الطبيعية، نحن لسنا بحاجة لأن نذهب لهذا الخيار”.
ولا نعتقد أن الوضع المعيشي المنهار على كل المستويات، يحتمل مُسايرة سياسية على الطريقة اللبنانية، وبمقدار تسريع العُقَد البحرية لهذه الباخرة ومثيلاتها من ذوات حمولات المازوت والبنزين، بمقدار ما تتحلحل عُقد الحياة اليومية لشعبٍ استوطن الطوابير على اختلافها.
إدخال السياسة في كل موضوع حيوي هو شأن لبناني طبيعي، حتى في استيراد الوقود أو الأدوية أو الأغذية، لكن المسألة هي في الخلاف المزمن على تفسير السيادة، وبما أن “دُعاة السيادة” غضُّوا الطرف عن كل طوابير الذلّ أمام المحطات والصيدليات والأفران، وحملوا “النواضير” بانتظار الباخرة الإيرانية التي أُعطيت لمادة المازوت أولوية فيها نتيجة كارثة المولدات للمستشفيات والمنازل.
اما سيادتنا فهي في رفع الإذلال عن شعبنا، وسيادتنا هي في تمزيق كل قوانين الحصار الظالمة، سواء كانت تحت مُسمَّى قيصر أو سواه، وليعلم “قياصرة السفارات” وأزلامهم، أن دور المقاومة السياسي الوطني لا ينحصر بالحرب العسكرية التقليدية للدفاع عن الحدود، بل مشاركة سائر الفرقاء اللبنانيين في مواجهة “حرب الجيل الرابع” الأميركية بنسختها الفنزويلية.
وبصرف النظر عن ظلم الحصار الأميركي على لبنان بتواطؤ إقليمي خليجي، يغفل الشعب اللبناني عن أخطر أسباب أزمته الإقتصادية، الناتجة عن الوكالات الحصرية سواء لجهة استيراد الوقود أو الأدوية أوالمواد الغذائية والإستهلاكية بشكلٍ عام، ويغفل أيضاً تجاهل المطالبات الشعبية بإلغاء هذه الحصرية، حتى ولو اكتشفت القوى الأمنية عشرات المستودعات المعدَّة للتخزين بهدف الإحتكار، وجعل السوق بورصة للعرض والطلب حتى تركيع وتجويع الناس، وقتل المرضى نتيجة إخفاء أدوية هي مدعومة أصلاً، وجريمة إخفائها مزدوجة لأنها تجارة بالأرواح.
ومهما حاول الإستغلاليون ترداد كلمة سيادة على قياسهم، فإن وقائع “النخوة الأميركية” وصلت رسالتها الى كل اللبنانيين، بحيث بعد ساعة من كلمة السيد نصرالله التي أعلن خلالها إبحار الباخرة الإيرانية الأولى الى لبنان، سارعت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا الى محاولة “إعتراض” الباخرة عبر تقديم العروض: غاز من مصر وكهرباء من الأردن عبر سوريا، وأسقطت “قيصر” الاميركي صريعاً على مذبح السياسة الأميركية الإعتباطية، ثم توالت تصريحات المسؤولين في الخارجية الأميركية والكونغرس حول ضرورة تأمين الطاقة للبنان كي لا يكون بحاجة للإمداد الإيراني!
وبناء على المعطيات السياسية الداخلية قبل الخارجية، فإن شعباً يعيش على شواطىء الإنتظار، قدوم باخرة استيراد مواد حيوية ترفع عنه ولو جزئياً كوابيس الموت اليومي، هذا الشعب لا ينتظر باخرة للرحيل، و “تصدير” الشعب اللبناني منذ “وعد كيسنجر” وحتى اليوم، أمر مرفوض من الشرائح الواسعة للبنانيين.
ومع بعض من الصبر وكثير من الوعي للتمييز بين العدو والصديق خلال هذه المحنة التي نعيش، نحن مطالَبون بقراءة السياسة وسيلة لخدمة المجتمع والناس، ووحدها هذه القراءة تكفل لنا تجاوز النفق المظلم الى ساحات عرس السيادة تحت الشمس، عندما ننتشل شعبنا من طوابير الإنتظار اليائس البائس.
المصدر: الوفاق
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال