لقاء الرئيس بوتين والرئيس بشار الأسد: آفاق المصالحة السورية التركية 104

لقاء الرئيس بوتين والرئيس بشار الأسد: آفاق المصالحة السورية التركية

في ظل الأزمات المتزايدة في الشرق الأوسط، تحظى العلاقات السورية التركية مؤخراً باهتمام كبير من قبل المجتمع الدولي، ولا سيما بعد أن باتت الظروف السياسية لكلا البلدين تسمح بذلك بوجود مباردات من قبل عدة دول تحاول أن تكون طرفاً فاعلاً في هذه المصالحة ومن هذه الدول روسيا حيث جرى اللقاء الأخير الذي جمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد في موسكو يوم أمس الأربعاء وتناول القادة آخر المستجدات في المنطقة، بما في ذلك الأوضاع الأمنية والسياسية بالإضافة إلى مبادرة الصلح بين سورية وتركيا بوساطة روسية.

خلفية هذا اللقاء
يمثل هذا اللقاء أهمية خاصة في السياق الجيوسياسي القائم، حيث تسعى روسيا إلى تعزيز دورها كوسيط فعال في حل النزاعات في المنطقة. العلاقة بين سورية وتركيا قد شهدت توترات شديدة منذ بدء الحرب في سورية عام 2011، حيث دعمت تركيا جماعات المعارضة السورية والمجموعات المسلحة المتشددة، مما أدى إلى استنفار السلطات السورية لمواجهة هذا العداء من الدولة الجارة. بالمقابل تتخوف أنقرة حالياً من تنامي نفوذ الأكراد السوريين على حدودها، مما سيدفعها للمشاركة في تفعيل التطبيع والخروج من مأزق التدخل في الشؤون الداخلية السورية.

وكانت قد ذكرت رويترز -نقلا عن الكرملين- أن الرئيس وضيفه ناقشا مجموعة كبيرة من القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط منها احتمال عقد اجتماع بين الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كما نُقل عن بوتين قوله للأسد خلال اللقاء "لدينا الفرصة للحديث عن منظومة علاقاتنا بأكملها". وأضاف "أنا مهتم جدا بمعرفة رأيكم" حول كيفية تطور الوضع بالمنطقة ككل، والذي يميل لسوء الحظ إلى التفاقم، وهذا ينطبق أيضا على سورية بشكل مباشر.[1]

بدوره، قال الأسد لبوتين من خلال مترجم روسي "بالنظر إلى كل الأحداث التي تجري في العالم أجمع وفي المنطقة الأوراسية حاليا، يبدو اجتماعنا اليوم مهما للغاية لمناقشة كافة التفاصيل المتعلقة بتطورات هذه الأحداث ومناقشة الآفاق والسيناريوهات المحتملة". [2]

من خلال هذا اللقاء، برزت المبادرة الروسية كخطوة دبلوماسية هامة تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين. يعتقد الكثيرون أن روسيا ترغب في استثمار هذه المبادرة لتعزيز وجودها في المنطقة، وتعتبر تحقيق سلام بين سورية وتركيا جزءًا من استراتيجيتها الشاملة لإعادة الاستقرار إلى المنطقة. روسيا تسعى للحفاظ على مصالحها في سورية، وقد تجد أن المصالحة بين دمشق وأنقرة قد تساهم في تحقيق استقرار أكبر، مما قد ينعكس إيجابًا على وجودها العسكري والاقتصادي في البلاد.

آفاق المصالحة السورية التركية
على الرغم من أن المبادرة تبدو واعدة، إلا أن العديد من العقبات لا تزال موجودة. يتطلب تحقيق المصالحة بين سورية وتركيا توافقًا على مجموعة من القضايا الحساسة، مثل وضع الأكراد والسيطرة على المناطق الحدودية وملف اللاجئين. وتحتاج تركيا إلى ضمانات بشأن أمنها من التهديدات الكردية، بينما تسعى سورية لاستعادة سيادتها على كافة أراضيها، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها تركيا وميليشياتها. علاوة على ذلك عبرت الحكومة السورية مراراً وتكراراً عن موقفها الواضح من التصريحات المعلنة وغير المعلنة من قبل الساسة الأتراك حول موضوع تطبيع العلاقات وكان ذلك من خلال بيان وزارة الخارجية والمغتربين السورية رداً على تصريحات أردوغان الأخيرة وجاء فيه: " أي مبادرة في هذا الصدد يجب أن تبنى على أسسٍ واضحةٍ، ضمانًا للوصول إلى النتائج المرجوّة والمتمثلة بعودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية، وفي مقدمة تلك الأسس انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سورية فقط، بل أمن تركيا أيضًا". [3]

بالمقابل تركيا لديها بعض التحفظات والشروط حتى يكتمل هذا التطبيع وأهمها تقديم ضمانات أمنية بشأن التهديدات الكردية التي تعتبرها تهدد أمنها القومي بالإضافة إلى مناقشة ملف اللاجئين. بالطبع أردوغان بات يعلم أن الظروف الحالية أصبحت لصالح التطبيع مع دمشق ولم تعد تركيا ترى أن من صالحها بقاء العلاقة مجمدة ومتوقفة مع سورية لاسيما بات ذلك طلباً ملحاً من قبل بعض أعضاء حكومته ولقطع الطريق أيضاً على معارضيه وحل مشكلة اللاجئين التي تعتبر من الملفات الساخنة في تركيا. والجدير بالذكر هنا أن الإعتراف الدولي بشرعية النظام السوري بقيادة الرئيس الأسد وحكومته الشرعية هو من أهم الاسباب التي فرضت نفسها على جميع الأطراف المعادية لسورية ومنها تركية لكي تعترف بالأسد وشرعيته و وجوب إعادة العلاقة معه لأن أي مناقشة لأي قضية حول سورية يجب أن تمر من القصر الجمهوري في دمشق.

ولنجاح أي جهود للمصالحة، سيكون من الضروري أن يحظى هذا المسار بدعم المجتمع الدولي. وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذان يعتبران من القوى الفاعلة في الشأن السوري، وقد يكون لهما تأثير كبير على تطورات الموقف. وتحتاج تركيا إلى التحفظ على موقفها داخل الناتو، في حين أن سورية تحتاج إلى إعادة بناء علاقاتها مع الدول العربية والغربية. إن دعم المجتمع الدولي قد يسهل تحقيق المصالحة، لكنه يتطلب توافقًا بين الأمور السياسية والاقتصادية.

الانعكاسات المحتملة
إذا تم تحقيق المصالحة، فإن ذلك يمكن أن يحدث تحولًا كبيرًا في الوضع الإقليمي. وستشهد العلاقات بين سورية وتركيا تحولًا جذريًا إذا ما تم الاتفاق على آلية تضمن استقرار الحدود وسلامة المدنيين. بالرغم من التحديات الكبيرة، فإن المصالحة يمكن أن تؤدي أيضًا إلى تخفيف حدة الصراع وتوفير المناخ المناسب للتعافي الاقتصادي في البلدين.

الخاتمة
في الختام، يُعتبر اللقاء بين الرئيسين بوتين والأسد خطوة إيجابية في اتجاه تحقيق السلام في المنطقة. وعلى الرغم من أن المصالحة السورية التركية باتت قريبة المنال في الوقت الراهن، إلا أن تلك المبادرات من قبل الجانب التركي تستوجب الحذر من قبل دمشق في ظل وجود إرادة للتفاهم والبحث عن حلول وسط. وستبقى الأنظار تترقب القادم من الأحداث، حيث يبقى دور روسيا حاسمًا في جهود البناء على ما تم تحقيقه من تنسيق وتعزيز الحوار بين الجانبين. وإذا كان هناك إرادة سياسية جادة من الطرفين ودعم دولي مناسب، فقد نشهد في المستقبل القريب مصالحة شاملة بين دمشق وأنقرة وربما خلال شهر آب و تحت رعاية موسكو وعلى أراضيها أيضاً.

د. حسام السلامة


[1] https://aja.ws/and7lz
[2] ttps://www.aljazeera.net/news/2024/7/25/بوتين-يستقبل-الأسد-ويبحثان-التصعيد
[3] https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2024/07/14/syria-turkey-erdogan-bashar-al-assad
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال