خلال الأشهر الماضية اتخذت الدول الأوروبية إجراءات مشتركة ضد إيران على مستوى البيانات والتصريحات السياسية. وفي المرحلة التالية أدت الخطوة المشتركة لهذه الدول إلى فرض عقوبات على المنظمة الجوية الإيرانية مما أدى إلى زيادة التوترات بين إيران والدول الأوروبية(1)، وكان العديد من خبراء العلاقات الدولية يعتقدون أنه قبل حلول السنة الميلادية الجديدة، لن تشهد العلاقات بين إيران وأوروبا تصعيداً آخر يزيد من التوتر، لكن مع الإجراءات المشتركة للدول الأوروبية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية واعتماد قرار ضد الأنشطة السلمية النووية الإيرانية شهدنا مجدداً زيادة غير مسبوقة في التوترات بين إيران والترويكا الأوروبية وسنستعرض فيما يلي أسباب زيادة التوتر بين الدول الأوروبية وإيران.
الحرب في أوكرانيا:
وهي إحدى القضايا التي كانت لها أهمية عالية للدول الأوروبية في السنوات الماضية. وقد قامت الدول الأوروبية بتقليص علاقاتها مع العديد من الدول التي كانت تدعم روسيا(2). كما أن قضية الدعم العسكري الإيراني لروسيا تعد واحدة من الادعاءات التي تطرحها الدول الأوروبية، حيث تنظر هذه الدول إلى هذه القضية ضمن سياق الهجمات الواسعة بالطائرات المسيرة على أوكرانيا. وتحاول وسائل الإعلام الغربية بين الحين والآخر من خلال طرح ادعاءات حول إرسال إيران للصواريخ التكتيكية إلى ساحة القتال في أوكرانيا استغلال هذه الأجواء المشحونة. وقد أكدت إيران في بياناتها السياسية في السنوات الماضية مرارًا عدم إرسالها لمعدات عسكرية للحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن الدول الغربية تصر على اعتبار أن إيران تمثل الدعم العسكري للروس في الحرب ضد أوكرانيا. تعتبر هذه القضية واحدة من أهم نقاط الخلاف بين إيران والدول الأوروبية، ومع تطورات المعارك في الأسابيع الماضية التي تميل لصالح روسيا زادت حدة الشكوك لدى الأطراف الأوروبية.
فشـل خطة الشرق الأوسط الجديدة:
لقد واجهت خطة الدول الغربية لنشر "الديمقراطية" في دول غرب آسيا فشلاً ذريعًا، ولم يشهد محور المقاومة في السنوات الماضية تراجعاً بل زادت قاعدة المؤيدين لهذا الفكر في دول غرب آسيا. كانت مراكز التفكير الغربية تخطط لتنفيذ انقلاب في دول لبنان وسورية والعراق، ولكن هذه الدول تحتفظ الآن بقوة كبيرة وهي تأييد شعوبها للمقاومة، كما أصبحت اليمن عضواً جديدًا وقويًا في محور المقاومة. وأجبرت هذه الديناميكية في دول محور المقاومة مراكز التفكير الغربية على إعادة رسم خططها في غرب آسيا. إن الهجمات الإسرائيلية على دول المقاومة ودعم الدول الغربية لماكينة القتل الإسرائيلية هي نتاج لنمو محور المقاومة وخوف الدول الأوروبية والولايات المتحدة. في هذه التركيبة الجديدة يتجلى دور الدول الأوروبية كشرطي سيء في المنطقة. تم التخطيط للضغط على إيران من خلال ذرائع مختلفة مثل البرنامج النووي وحقوق الإنسان في إطار خطط الدول الغربية لزيادة التوتر مع إيران.
ضغط الرأي العام في الدول الأوروبية بسبب أزمة فلسطين:
من القضايا التي تؤكد الدول الأوروبية دائمًا على الالتزام بها تلبية احتياجات شعوبها من خلال الوهم بأنهم يحافظون على الحرية وحقوق الإنسان والأخلاق. وقد تم التشكيك تمامًا في هذه القضايا خلال مجازر الشعب الفلسطيني على يد النظام الإسرائيلي حيث دعمت الحكومات المدافعة عن حقوق الإنسان والأخلاق علنًا جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني(3). كما أثار دعم الحكومات الغربية لمجازر الفلسطينيين موجة من الاحتجاجات الشعبية في الدول الأوروبية والتي تستمر حتى اليوم. ترى الحكومات الأوروبية أن كل هذه الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة تُنسب إلى إيران، ويعتقدون أنه إذا لم يكن هناك دعم إيراني لمحور المقاومة الفلسطيني لما شهدت حكوماتهم ضغطًا من الرأي العام ضد حكوماتها.
بشكل عام:
يمكن القول إن الاتجاه الذي اتخذته الدول الأوروبية ضد إيران في الأشهر الماضية كان متوترًا للغاية ويبدو أنه إذا لم تبدأ إيران بخطوات مضادة ستستمر زيادة التوتر مع الدول الأوروبية. ومن الجدير بالذكر أن الترويكا الأوروبية لا يمكن أن تكون سبباً في لأفعال المسببة للتوتر ضد إيران بشكل مستقل، حيث تُعتبر الولايات المتحدة بمثابة "الأب الروحي" للدول الأوروبية وتتولى توجيه تلك الدول.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال