لماذا يعود الهجوم التركي على سوريا بالضرر على أنقرة ؟ 31

لماذا يعود الهجوم التركي على سوريا بالضرر على أنقرة ؟

تستعد تركيا في الآونة الاخيرة لاطلاق عملية عسكرية في شمال سوريا، في وقت ستعود هذه الحملة بالضرر على تركيا، ويسلط التقرير التالي الضوء على جوانب هذه القضية:

قامت الطائرات التركية يوم الثلاثاء الماضي بشن غارات على بعض المناطق في شمال سوريا (ريف حلب الشمالي) كما ادخل الجيش التركي ارتالا من الآليات والمعدات الى المنطقة المسماة “درع الفرات” في شمال سوريا، وفي المقابل اكد مسؤول سوري “ان أي هجوم على اية نقطة عسكرية للقوات المسلحة السورية سيجابه برد مباشر وسريع وفي كافة الجبهات”.

اصل القضية

يعود اصل القضية الى تاريخ 23 مايو الماضي حين اعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان الجيش التركي ينوي شن عملية عسكرية في شمال سوريا لايجاد منطقة عازلة بعمق 30 كيلومترا، وفي الاول من يونيو الماضي شرح اردوغان اهداف هذه العملية قائلا “اننا سنقوم بتطهير تل رفعت ومنبج من الارهابيين وسنمضي خطوة بخطوة في المناطق الأخرى.

وكان اردوغان يشير الى جماعة كردية مسلحة تسمى وحدات المدافعة عن الشعب الكردي (YPG) التي تعتقد تركيا انها على علاقة بـ حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي يحارب السلطات الكردية في جنوب شرق تركيا منذ عام 1984 ، وحينما يصف اردوغان العمليات بانها ستتوسع خطوة بخطوة فهو يعني ايجاد حزام على كامل الحدود التركية مع سوريا بعمق 30 كيلومترا يشمل تقريبا كافة المناطق الواقعة شمالي الطريق السريع M4 بدءا من ادلب وصولا الى الحدود العراقية .

لكن هذا الاعلان التركي واجه رفضا من 3 جهات حاضرة في سوريا وهي ايران وروسيا واميركا .

وكانت تركيا قد شنت في السنوات الـ 6 الماضية 4 عمليات عسكرية تحت عنوان “درع الفرات” في علم 2016 و “غصن الزيتون” في عام 2018 و”ينابيع السلام” في عام 2019 ادت الى احتلال مدن مثل عفرين وتل أبيض وجرابلس في المناطق الحدودية من شمال سوريا. اما العملية الرابعة المسماة “درع الربيع” فقد شنت في عام 2020 لكنها اصطدمت بالجيش السوري وقوى محور المقاومة ولم تحقق اية نتائج ميدانية.

لماذا ستعود العمليات في شمال سوريا بالضرر على اردوغان ؟

وضعت تركيا هدفين لعملياتها في شمال سوريا ، اولهما ايجاد منطقة عازلة بعمق 30 كيلومترا على الاقل داخل الاراضي السورية لابعاد الجماعات الكردية المسلحة ، وثانيهما اسكان مليون لاجئ سوري من اصل 3 ملايين وسبعمئة الف لاجئ يعيشون الان في تركيا، في هذا الحزام الحدودي. لكن هذه الخطوة ستعود بالضرر على تركيا لسببين :

تردي الاوضاع الاقتصادية : لقد اعلن اردوغان في القمة الثلاثية مع ايران وروسيا في طهران ان هناك 3/7 ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا وهذا الحمل يثقل كاهل الاقتصاد التركي المتأزم في الاساس . واذا كان كل شخص من هؤلاء اللاجئون يحتاج الى قرصين من الخبز في اليوم فان العدد يصبح 7/5 ملايين قرص من الخبز في اليوم . وهذه هي اقل التكاليف المعيشية لشخص ما وتضاف اليها المواد الغذائية والوقود وغيرها من التكاليف، ان بدء عملية تركية في شمال سوريا سيحدث موجة جديدة من نزوح اللاجئين نحو اوروبا وستكون تركيا بوابة اوروبا.

لقد اوردت قناة دويتشه فيليه الالمانية تقريرا عن الاوضاع في تركيا جاء فيه ان نسسبة التضخم في تركيا قد وصلت الى 80 بالمئة كما ارتفعت تكاليف النقل بمقدار 123 بالمئة واسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية 93 بالمئة، وان نسبة التضخم في تركيا الان هي الاعلى في القرن 21.

مجلة بوليتيكو الاميريكية أوردت ايضا في الشهر الماضي ان اردوغان اختار الدخول في معركة بالخارج رغم الازمة الاقتصادية الداخلية ، وكتبت المجلة في تقرير لها ان المطاعم في تركيا باتت تستخدم قوائم اسعار يمكن محو ارقامها وكتابة ارقام جديدة فيها لكي يكتبوا في كل يوم سعرا جديدا، ويطلب سائقو سيارات الاجرة من المسافرين رفع الاجور بسبب زيادة اسعار المحروقات وان فنجانا من القهوة والتي كانت بسعر 20 ليرة بات الان يباع بـ 30 ليرة.

واوردت وكالة اسوشيتدبرس ان الهجوم التركي سيتسبب بمخاطر وتبعات ومنها موجة نزوح جديدة من مناطق النزاع وهذا يعني ضغطا مضاعفا على الاقتصاد التركي في زمن الأزمة.

تدهور الاوضاع الامنية: تتذرع تركيا بتواجد المسلحين الاكراد وارساء الامن لاحتلال تل رفعت، وتبلغ المسافة بين تل رفعت ومدينتي النبل والزهراء الشيعيتين كيلومترات قليلة، وهناك تمركز لمئة الف ارهابي ايضا في الجهة الغربية من هذه المنطقة. ومن المستبعد ان يكتفي محور المقاومة فقط بمراقبة ومشاهدة وقوع هجوم على المناطق الشمالية لهاتين المدينتين. ان أي هجوم سيجلب رد فعل وهجوم مضاد، في شهر مارس 2020 شنت قوى المعارضة السورية بدعم عسكري تركي هجوما عسكريا واحتلت منطقة سراقب لكن الجيش السوري وقوى المقاومة شنوا هجوما مضادا وسيطروا على المنطقة، ان السيطرة على سراقب تعني السيطرة على نقطة التقاء الطريقين السريعين M4 و M5 والواقعة جنوب النبل والزهراء.

وكما تعتبر تركيا منطقة تل رفعت خطرا امنيا عليها فان سوريا ومحور المقاومة المساندة لها تعتبر ادلب خطرا امنيا على السيادة السورية، وتحوي منطقة ادلب قرابة 4 ملايين شخص ويسيطر عليها 100 الف ارهابي.

طوال الاعوام الماضية كان يتم نقل الارهابيين الذين يسلمون سلاحهم الى ادلب وباتت ادلب الان المعقل الاخير للارهابيين وان أي ضغط وهجوم عسكري على ادلب سيؤدي الى امتداد الاضطرابات الامنية الى داخل الاراضي التركية ولا يملك الارهابيون خيارا سوى التراجع نحو الاراضي التركية.

فهل تركيا مستعدة لقبول تدفق عشرات الآلاف من الارهابيين (حتى لو كانوا متجانسين فكرياوعقائديا معها) الى اراضيها ؟ وماذا ستفعل تركيا بموجة النازحين من مناطق القتال والذين سيدخلون تركيا في طريقهم نحو اوروبا ؟

لقد اكد وزير الخارجية السوري اثناء زيارته الاخيرة قبل اسابيع الى طهران ان لا شيء يمكنه ان يهدد استقلال سوريا وسيادتها وليس من مصلحة تركيا وغيرها الدخول الى الاراضي السورية لان هذا سيؤدي الى الاشتباك بين سوريا وتركيا.

ومن ناحية اخرى فهناك ايضا خلافات عديدة بين تركيا وجيرانها واذا اصبح استخدام القوة العسكرية امرا اعتياديا في النزاعات الاقليمية فان تركيا ستتحمل الضرر الأكبر، ومن جملة هذه النزاعات هناك قضية الجزر المتنازع عليها مع اليونان.

اذا سلكت تركيا الطريقة العسكرتارية فبامكان اليونان ايضا ان تقوم بتسليح الجزر المتنازع عليها في بحر ايجه بدعم من الدول الغربية مثل فرنسا واميركا وربما يمكن القول بان ذلك سيشكل اكبر ازمة امنية لتركيا, لان بعض هذه الجزر لا تبتعد سوى كيلومترين اثنين عن السواحل التركية وحينها ستتمكن اليونان من السيطرة بشكل كامل على منطقة التقاء البحر الاسود بالبحر الابيض المتوسط.

لقد التقى الرئيس التركي بسماحة قائد الثورة الاسلامية في تاريخ 19 يونيو الماضي وقد تم ابلاغ الموقف الايراني بشكل صريح للجانب التركي “ان الحفاظ على وحدة الاراضي السورية يعتبر هاما جدا وان شن أي هجوم عسكري على شمال سوريا سيعود بالتاكيد بالضرر على تركيا وسوريا والمنطقة برمتها، وسينفع الارهابيين”.

 

المصدر: فارس

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال