تعد المملكة العربية السعودية من أكثر الدول الإسلامية تأثيرا في المنطقة، والتي تلعب دورا لافتا للنظر في العالم الإسلامي بفضل قدرتها المالية وشرعيتها الدينية وبصفتها أرض الحرمين الشريفين.
ويبلغ عمر العلاقات بين أفغانستان وأفغانستان أكثر من 80 عاما، والتي ظهرت على مستوى جديد بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان، مما لفت انتباه المملكة العربية السعودية وأدخلتها في القضايا السياسية والأمنية الأفغانية.
وفي هذا المنعطف التاريخي، أبرز دعمُ السعودية للحركات الجهادية تواجدَ المملكة في أفغانستان حيث بدأ يتهافت المهتمون من مختلف البلدان على الدراسة بالمدارس الدينية المنشأة في القواعد العسكرية من قبل الحكومة الباكستانية آنذاك بتمويل سعودي على خط ديورند.
وحينها كانت تدعم المملكة العربية السعودية، إلى جانب أصدقائها وحلفائها، مقاومة المجاهدين. ومن بين الجماعات المتورطة في أفغانستان بعد انهیار الحكومة الشيوعية الأفغانية المدعومة من الاتحاد السوفيتي، حافظ الحزب الإسلامي الأفغاني بزعامة قلب الدين حكمتيار على علاقته مع المملكة العربية السعودية، مما أدى إلى دفْع السعودیین مليوني دولار إليه من 1991 حتى 1994.
وعلى الرغم من أنه في بداية صعود الشهيد برهان الدين رباني إلى السلطة فترت العلاقة السعودية مع الحكومة الأفغانية وذلك انطلاقا من تصور السعودية لاقترابه من إيران، ولكن بعد معارضة رباني بعض المواقف الإيرانية، استأنفت المملكة العربية السعودية تمويل حكومته وقدّمت أكثر من 150 مليون دولار لرباني على مدى السنوات نفسها.
وفي كتابه “طالبان”، كتب الصحفي الباكستاني البارز أحمد رشيد أن السعوديين قدّموا ما يقرب من 4 مليارات دولار من المساعدات الرسمية للمجاهدين بين 1980 حتى 1990، وهي تشمل التبرعات غير الرسمية للجمعيات الخيرية والمؤسسات الإسلامية والمساجد. وبالنظر إلى هذه المساعدات غير الرسمية، أنفقت المملكة العربية السعودية ما يقرب من 9 مليارات دولار على مر السنين في أفغانستان.
وشكّل البشتون الموالون للوهابية أخيرا نواة حركة طالبان. وبعد الإطاحة برئیس بنجيب الله، اندلعت اشتباكات داخل فصائل المجاهدين واتخذت جماعتان وهابيتان مدعومتان من السعودية بزعامة قلب الدين حكمتيار وعبد الرسول سياف، مسارين منفصلين كما تقلص النفوذ السعودي في أفغانستان آنذاك بشكل كبير.
ونتيجة للصراعات الداخلية في أفغانستان وإنشاء حركة طالبان (تحت إشراف وكالات الاستخبارات والأمن الباكستانية والأمريكية)، سرعان ما شمل دعم المملكة العربية السعودية الحركة، واعترفت باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بها على التوالي.
واستمر التمويل السعودي لحكومة طالبان طوال فترة وجود الحركة غير أنه ظل سريا بعد قرار طالبان إيواء بن لادن تحت ضغط أمريكي، الذي تسبب في رفض السعودية الدعم المالي والسياسي لها.
وأدى رفض طالبان تسليم بن لادن للسعودية إلى فتور العلاقات بينها والسعوديين إلا أنه إثر الاحتلال الأمريكي لأفغانستان وسقوط طالبان دخلت العلاقات السعودية الأفغانية مرحلتها الحديثة بحيث نأت السعودية بنفسها رسميا عن طالبان كحليف سابق لها.
وفي أغسطس من هذا العام، عندما سيطرت طالبان على كابول، العاصمة الأفغانية، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بحذر بيانا جاء فيه: “المملكة العربية السعودية تدعم قرارا يتخذه الشعب الأفغاني دون تدخل”. وفي السياق نفسه، عيّنتْ الحكومةُ السعودية تركي الفيصل الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودي المعروف بعلاقته الجيدة مع طالبان، للتفاوض معها.
ووفقا لوثائق ويكيليكس، ترى السياسة الخارجية الأمريكية المملكة العربية السعودية أكبر دولة تمول الجماعات المتطرفة، بما في ذلك طالبان والقاعدة وجماعة لشكر طيبة. برغم ذلك، من أجل توسيع نفوذها وتعزيز قواتها الموالیة لها، وتحسين صورة الرياض، واستغلال طالبان في المشهد السياسي الجديد، أزالت المملكة العربية السعودية الستار عن وجهها الجديد والمحب لإرساء السلام في أفغانستان.
وقبل هذا، تعهدت السعودية بمزيد من المساعدات الاقتصادية لأفغانستان خلال اجتماع “قلب آسيا” في ألماتي بكازاخستان حيث تم توقيع اتفاقية اقتصادية بين وزيري خارجية أفغانستان والسعودية. وبموجب الاتفاق، وعدت السعودية بزيادة الاستثمار الخاص في أفغانستان ومنح تأشيرات عمل للمواطنين الأفغان. كما يلقي غالبا ما الرأي العام الأفغاني ونخبه نظرة إيجابية على الاستثمارات السعودية في أفغانستان ويرحبون بمثل هذه المقترحات.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال