لهذه الأسباب خسرت أمريكا في أفغانستان 15

لهذه الأسباب خسرت أمريكا في أفغانستان

من أكثر التعبيرات السياسية وضوحاً هي تصريحات أحد المسؤولين الأمريكيين في توصيفه لواقع المشهد والصورة المهينة التي خرجت بها القوات الأمريكية قوله: “إن متلازمة فيتنام لم تنته بعد”، بهذه الكلمات تحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن التي نطق بها على إثر سقوط العاصمة كابول في يد حركة “طالبان” ليؤكد حقيقتين متلازمتين بغضّ النظر عن أهداف وأبعاد هذا الانسحاب:


الحقيقة الأولى، تكمن في أن القوات الأمريكية إلى جانب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان ولأكثر من عقدين خسرت المئات وربما الآلاف من جنودها -في ظل تكتم إعلامي شديد عن العدد- وبعض التسريبات التي أشارت إلى ما يزيد عن 3400 جندي من قوات التحالف من بينهم 2300 جندي من قوات المارينز الأمريكية وإصابة 20663 من بينهم 9 آلاف إصابة دائمة.


الحقيقة الثانية، وتتمثل في هدف أميركا من احتلال أفغانستان عام 2001 إثر أحداث أيلول في أميركا من العام نفسه، والمتمثلة بالقضاء على طالبان لم يتحقق، فضلاً عن الأهداف التي كانت تتجدّد منذ تلك الفترة والمتمثلة بوضع دعائم دولة قوية وبناء جيش ومؤسسات قوية وحكومة تفرض سيطرتها ومنح النساء الحماية اللازمة، وما إلى ذلك من أهداف باتت هباء منثوراً ومجرد زيف لادعاءات كانت تمثل حصان طروادة لاحتلال أفغانستان وإبقاء ترسيخ وجود الاحتلال الأمريكي فيها، على غرار ما يحصل اليوم من ادعاءات وذرائع في سورية والعراق.


ومما يؤكد ذلك تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن في حوار مع قناة “ABC” الأميركية رداً على الانتقادات التي وُجهت له وإلى إدارته، بسبب طريقة انسحابها من أفغانستان، أنه “لم تكن هناك طريقة للخروج من دون حدوث فوضى، وتوقّعت الاستخبارات ذلك”. وهذا ما يحمل تأكد الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسساتها المختلفة بما فيها جهاز الاستخبارات والبنتاغون والبيت الأبيض بأن الفوضى هي التي ستعمّ أفغانستان.


حتى اليوم لم تنجح كل الحروب والاعتداءات التي خاضتها الولايات المتحدة بشكليها المباشر وغير مباشر في تلميع صورتها العسكرية ونجاح مشاريعها القائمة على القوة، ومنذ إعلان رئيسها السابق ريتشار نيكسون في ستينات القرن الماضي بأنه سيكرس اتفاق سلام مشرف بالقوة العسكرية لشعب فيتنام، وحتى اليوم الذي يتسابق به رؤساؤها المتعاقبون للحديث عن خوض معارك ضد “الإرهاب” وتغيير الأنظمة بالقوة، وهو الواقع الذي ينطبق أيضاً على أفغانستان، التي اعتبرت الحرب الأطول للقوات الأمريكية والأكثر تكلفة، حيث بلغت نفقتها حتى قبل خروج الأمريكيين في شهر آب الحالي ماقيمته 2.26 تريليون دولار، وتشمل هذه التكاليف 815.7 مليار دولار كتكاليف مباشرة للقتال، و88 مليار دولار لتدريب القوات والشرطة الأفغانية وتجهيزها لمواجهة حركة “طالبان” و”القاعدة”.


لهذا فإن أميركا في الميزان العسكري خسرت الحرب، بغضّ النظر عما قد تحاول كسبه فيما بعد سياسياً أو اقتصادياً أو حتى جيبولوتيكياً في تلك المنطقة الحيوية، وخسارتها الحرب تمثلت في صور عديدة يمكن أن نوردها وفق التالي:


القوات الأمريكية تنسحب من أفغانستان وهي لم تحقق هدفها بالقضاء على “طالبان والقاعدة”.

القوات الأمريكية تخرج من أفغانستان وهي إحدى الدول القريبة من الصين -الخصم الأكثر منافسة لليبرالية الأمريكية اليوم- رغم تركيز واشنطن الكبير على احتواء الصين وتعزيز قواتها لآسيا الوسطى وبحر جنوبي الصين.

القوات الأمريكية تتخلى عن حلفائها في الدول التي تغزوها والتي تتدخل بشؤونها الداخلية، وهو ما ينطبق على الحكومة الأفغانية ورئيس الدولة أشرف غني.

القوات الأمريكية ليس من مصلحتها بناء دول قوية وأجهزة فعالة تمتلك عتاداً لكي لا تنقلب عليها يوماً من الأيام، وهي تدّعي ذلك للحصول على صفقات بمئات الملايين من الدولارات لقاء استشاراتها ومدربيها المدربين على عدم تدريب هذه القوات، ولعلّ ما حصل مع القوات الأفغانية من تهاوٍ أمام طالبان، ومع القوات العراقية إثر اجتياح “داعش” خير دليل على هذه المناورة الخداعية.

في الإطار الموضوعي وميزان الربح والخسارة، فإن واشنطن بطبيعة الحال حققت مكاسب في أفغانستان، حيث إن شركاتها حصلت على عقود بقيمة 130 ملياراً على مدى عقد من الزمن لإعادة إعمار أفغانستان، وهناك معلومات تؤكد أن أمريكا استفادت بما قيمته 3 تريليون دولار من ألماس أفغانستان، فضلاً عن سرقة المواد الطبيعية من غاز ونفط. وبالتالي الحديث الكامل عن هزيمة واشنطن عسكرياً وسياسياً يكتمل في شرطين: الأول تمكن الأفغان من تشكيل حكومة ائتلاف وطنية أو وحدة وطنية دون تدخل خارجي وانتهاء مرحلة العنف المسلح، والثاني عدم تعميم نظام الفوضى على دول الجوار وخاصة الصين وإيران وجنوب روسيا، لأنه قد يكون هدف واشنطن هو هذه النظرية من الفوضى بعدما عجزت عسكرياً وعبر عقوباتها الاقتصادية في تحقيق أهدافها ضد خصومها.


 المصدر: البعث

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال