يسود القلق في دوائر القرار ومراكز الأبحاث الإسرائيلية من جراء التحولات الحاصلة في موازين القوى العالمية والمعادلات الناشئة عنها، وما تعنيه من تراجع الهيمنة الأميركية الأحادية.. خصوصاً على ضوء الانسحاب الأميركي المذلّ من أفغانستان، وفشل الحرب الإرهابية بقيادة أميركا في تحقيق أهدافها في سورية، وتنامي الدور الروسي في الساحة الدولية وخصوصاً في المنطقة، وصعود هذا الدور على خلفية الحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا، وغرق الغرب في الأزمات المالية والاقتصادية.. وتزايد العجز المالي الأميركي على خلفية الركود في الاقتصاد وارتفاع حجم الدين العام والتضخم.. واستمرار الصعود الاقتصادي للصين وتنامي قوتها العسكرية..
على انّ مصدر القلق «الإسرائيلي» إنما يعود لعدة أسباب:
السبب الأول، انّ الكيان الصهيوني الذي نشأ على أرض فلسطين المحتلة، لا يجد بديلاً على المستوى الدولي، عن الولايات المتحدة الأميركية، يستند اليه لتأمين استمرار الدعم له لتحقيق أهدافه الاستعمارية، كما فعلت ولا تزال أميركا على مدى أكثر من سبعة أعوام حيث لم يكن الكيان الصهيوني ليستمرّ ويدوم ويتوسع في احتلاله لولا الرعاية والدعم غير المحدودين اللذين وفرتهما له الدول الاستعمارية الغربية بدءاً من الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية ومن ثم الإمبراطورية الأميركية التي حلت مكان الامبراطوريتين المذكورتين بعد افولهما وتراجع قوتهما، اثر انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث خرجت الولايات المتحدة أقوى دولة عسكرية واقتصادية في العالم، مما مكنها من بناء مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا وفرض الهيمنة الأميركية عليها عبر ربطها اقتصادياً بالمركز الرأسمالي الأميركي، وتولي رعاية ودعم المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة ليقوم بدور حماية المصالح الأميركية الاستعمارية في الوطن العربي لا سيما في منطقة الخليج، والمتمثلة في السيطرة على عمليات استخراج وتسويق وبيع النفط والغاز والتحكم بأسعارهما الى جانب تسعيرهما بالدولار.
السبب الثاني، أنّ الدول التي تتقدّم وتنافس القوة الأميركية، مثل الصين وروسيا، ليست دولاً استعمارية تسعى إلى الحلول مكان أميركا في دعم الكيان «الإسرائيلي»، بل هي تتبنى سياسات تقوم على دعم وتطبيق القرارات والقوانين الدولية التي تضرب بها «تل أبيب» عرض الحائط.. مما سيؤدي إلى واقع دولي جديد يضغط على الكيان «الإسرائيلي» لتنفيذ القرارات الدولية، وبالتالي خسارته الحماية والغطاء الدوليين اللذين وفرتهما له الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة على مدى العقود الماضية…
السبب الثالث، انّ التحوّلات في موازين القوى الدولية في غير مصلحة الكيان «الإسرائيلي»، تتمّ على وقع تحوّلات أخرى في موازين القوى في المنطقة تتمثل في تزايد قوة دول وقوى محور المقاومة التي نجحت في فرض معادلات الردع والرعب في مواجهة القوة الصهيونية التي تزداد تآكلا.. وهو ما يتجسّد حالياً على نحو لا لبس فيه في توسع معادلات الردع التي تفرضها المقاومة في لبنان في مواجهة الأطماع الصهيونية في ثروات لبنــان النفــطية والغازية في المياه الإقليــمية اللبنانية، من خلال تهديد قائد المقـــاومة سماحة السيد حسن نصرالله باستهداف حقل كاريش وكل منصات النفط والغاز ما بعد ما بعد كاريش، إذا لم يسلم كيان العدو بحقــوق لبنــان فــي ترسيم الحدود البحرية والسماح للشــركات الأجنبية بالتنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانية.. الأمر الذي يؤشر إلى مدى تطور قدرات المقاومة كمّاً ونوعاً في مواجهة العدو الصهيوني.. وإقرار دوائر القرار في الجيش الصهيوني بذلك…
السبب الرابع، انّ التراجع في الهيمنة الأميركية، والتحوّل في موازين القوى الدولية وفي المنطقة يترافق مع تصاعد منسوب القلق الصهيوني من اقتراب موافقة واشنطن على التوقيع على صيغة جديدة للاتفاق النووي مع إيران، وهو الاتفاق الذي سيؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وعلى تصدير نفطها وغازها، والسماح لها باستعادة أموالها في البنوك الاجنبية، والاستفادة من استثمارات غربية في إيران، مقابل عودة إيران إلى التزاماتها بالاتفاق لناحية وقف تخصيب اليورانيوم فوق نسبة 5 بالمائة إلخ… والقلق «الإسرائيلي» من هذا الاتفاق يكمن في انه ســيؤدي إلى انتعاش إيران اقتصادياً ومالياً على نحو كبــير مما يمكنها من زيادة دعمها لســورية وقوى المقاومة ضدّ الاحتلال الصهـــيوني.. في حين أنّ الاتفاق سيؤدي أيضاً إلى تسريع تطبــيع العلاقات بين إيران والسعودية وغيــرها من دول الخليج، وبالتالي انتهاء أحلام «إســرائيل» في تشكيل تحالف «إسرائيلي» عربي في مواجــهة إيران…
انّ هذه الأسباب المذكورة آنفاً هي ما تجعل مراكز القرار والأبحــاث فـــي الكيان «الإسرائيلي» تتحــدث بقلق عن تداعـــيات التحوّلات العالمية والاقليــمية في موازيـــن القوى على «إسرائيل» ومســتقبل وجــودها فــي ظلّ غياب بدائل عن تراجع الرعــاية الأميركــية لها نتيجة اضطرار واشنطن إلى التكــيّف مرغمة مع موازين القــوى الدوليــة الجديدة.. لدرجة انّ المســؤولين الصــهاينة تحدثوا أخيــراً عن انّ «إسرائيل» ستــظلّ وحــيدة في مواجــهة إيران بعد توقيع الاتفاق النــووي معها، في إشارة إلى تخلي واشنطن عنها في هذا الموضوع…
حسن حردان
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال