يمثل المؤتمر الاستعراضي العاشر للأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية المنعقد في نيويرك من 1 إلى 26 آب فرصة مهمة للمجتمع الدولي لاستعادة أساسيات النظام النووي العالمي، لأن معاهدة حظر الانتشار النووي لديها أكبر عدد من الأعضاء في أي اتفاقية للحد من الأسلحة (191) دولة.
على الرغم من تأجيل المؤتمر الذي يعقد مرة واحدة كل خمس سنوات، بسبب استمرار جائحة كوفيد 19 إلا أنه لا يزال بمثابة إنذار يذكر العالم بالحاجة إلى منع الانتشار النووي. يقودنا هذا إلى الشراكة الأمنية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والتي بموجبها ستساعد المملكة المتحدة والولايات المتحدة أستراليا للحصول على ما يصل إلى ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية.
أصدرت الدول الثلاث بياناً مشتركاً في 15 أيلول 2021 أعلنت فيه عن إنشاء “أوكوس” فاجأ العالم، ليس فقط لأن أستراليا خرقت عقداً مع فرنسا لشراء غواصات تعمل بالديزل بحوالي 66 مليار دولار، ولكن أيضاً بسبب سلاحين نوويين، حيث تعهدت الدول بمساعدة دولة غير حائزة للأسلحة النووية في الحصول على آلات تعمل بالطاقة النووية، أي الغواصات، وهذا انتهاك صارخ لمعاهدة عدم الانتشار ولقواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ووفقاً للباحثين في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن المواد النووية التي ستُستخدم في بناء الغواصات الثماني ستكون كافية لصنع 64 إلى 80 سلاحاً نووياً.
جميع حلفاء” أوكوس” الثلاثة هم من الموقعين على معاهدة حظر الانتشار النووي، ومع ذلك فهم يقوضون سلطة المعاهدة، ويحبطون الجهود العالمية لمنع الانتشار النووي. لهذا السبب أيضاً يعارض المجتمع الدولي، وخاصة جيران أستراليا بما في ذلك دول جنوب شرق آسيا، الاتفاق الثلاثي بشدة.
تعمل الدول العشر الأعضاء في الآسيان على جعل جنوب شرق آسيا منطقة خالية من الأسلحة النووية، تماماً مثل معاهدة منطقة جنوب المحيط الهادئ الخالية من الأسلحة النووية التي تم توقيعها في عام 1985، وفرضت في عام 1986 مما أدى إلى حماية منطقة جنوب المحيط الهادئ من الانتشار النووي.
لكن طموحات أستراليا في مجال الأسلحة النووية زادت بشكل كبير من الضغط الأمني على الدول الأصغر في المنطقة، لأنها تخشى أن تؤدي صفقة” أوكوس” إلى تكثيف سباق التسلح. في واقع الأمر بعد وقت قصير من الإعلان عن صفقة الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، قام سفراء العديد من دول الآسيان في بكين بزيارة وزارة الخارجية الصينية للتعبير عن قلقهم المشترك بشأن “أوكوس”، أما بالنسبة للصين فقد عارضت الصفقة الفرعية من البداية.
على الرغم من خسارة رئيس الوزراء الأسترالي السابق سكوت موريسون من الحزب الليبرالي في الانتخابات البرلمانية، وتولي زعيم حزب العمال أنتوني ألبانيز منصب رئيس الوزراء في أيار الماضي، إلا أن أستراليا تمضي قدماً في خطة “أوكوس” ولم تدخر جهداً إلى جانب المملكة المتحدة والولايات المتحدة لتشجيع صفقة الغواصات المثيرة للجدل.
ووفقاً لمسودة غير منقحة نُشرت على موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الإنترنت في تموز الماضي، اتفقت الأطراف الثلاثة على تزويد أستراليا بوحدات طاقة كاملة، ومن أجل تبرير الخطة بشكل أكبر قالت الوثيقة إن الدول الثلاث مستعدة للسماح بمزيد من التدقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
مثل هذه الروايات المتناقضة لا تغير طبيعة صفقة الغواصات، وبغض النظر عن مدى استمالة الدول الثلاث في محاولة تغطية صفقتها القذرة بزي قانوني أو أخلاقي، فإن الحقيقة هي أنها منخرطة في نقل واستلام مواد نووية صالحة للاستخدام في صنع الأسلحة، وانتهاك معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. بصرف النظر عن أستراليا والمملكة المتحدة، المشتري والبائع، فإن دور الولايات المتحدة في قضية الانتشار النووي هذه يدعو إلى مزيد من التدقيق العالمي في سجلها الحافل في هذا المجال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لقد كانت واشنطن وراء صفقة كبيرة لتهريب مواد الأسلحة النووية من قبل، من هنا إن مؤتمر المراجعة الجاري في نيويورك يمنح المجتمع الدولي فرصة لمحاسبة الدول الثلاث. وبغض النظر عن المدى الذي يذهب إليه المؤتمر في هذا الصدد لا ينبغي لأي دولة أن تقف مكتوفة الأيدي تراقب صفقة الغواصة النووية الثلاثية القذرة.
المصدر: البعث
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال