“مؤتمر بغداد 2″؛ مجهول الدوافع.. ولماذا غياب سوريا؟ 71

“مؤتمر بغداد 2″؛ مجهول الدوافع.. ولماذا غياب سوريا؟

عقد مؤتمر بغداد 2 للتعاون والشراكة، الثلاثاء الماضي، في مركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات على ساحل البحر الميت في الأردن، بدعوة من العاهل الأردني عبد الله الثاني، وبالتنسيق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. ويأتي إقامة المؤتمر في الأردن بناءً على قرار صدر عن المؤتمر الأول، الذي عُقد في آب 2021، في بغداد.

وكان من اللافت الإصرار على عدم توجيه دعوة إلى سوريا لحضور المؤتمر، في وقتٍ شارك فيه عدد من ممثلي الدول والمنظمات الإقليمية بما في ذلك العراق والأردن وإيران ومصر والسعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وعمان وتركيا وفرنسا بالطبع، بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ومجلس تعاون الخليج الفارسي ومجموعة العشرين والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الموجودين في الأردن.

ولدى عقد المؤتمر طرحت العديد من الأسئلة، أبرزها: إن مهمة المؤتمر الرئيسية “الدعم الإقليمي”، فلماذا أصبحت فرنسا من أهم المؤثرين فيه؟ وإذا اعتبرناه مؤتمراً لتعاون “دول الجوار” دعما للعراق، فماذا يفعل غير الجيران في هذا المؤتمر؟ وإذا كان البحث عن دعم وأمن العراق وانتفاع المنطقة كلها فلماذا لا تتواجد سوريا فيه؟ وإذا كان من المفترض أن يكون هذا التعاون خاص بالمنطقة، فلماذا تلعب باريس وواشنطن دوراً فيه بينما يتم تجاهل دمشق التي تقع في الجزء الأكثر حساسية من المنطقة والمجاورة للعراق؟

من المعروف أن عدم دعوة سوريا إلى مؤتمر بغداد 1 العام الماضي كان وراؤه فرنسا، حيث كشف مصدر عراقي مطلع حينها إن “المؤتمر جاء بفكرة عراقية فرنسية، وسيحضره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يدفع باتجاه أن تحضر قيادات الدول إلى بغداد”. وأضاف أن “أحد شروط ماكرون لإنجاح المؤتمر، كان عدم دعوة الأسد إلى بغداد، فهو يرفض الجلوس معه”. وأشار المصدر إلى أن “الحكومة العراقية اتفقت مع ماكرون في رأيه لعدم إحراج بقية القادة”.

وكتبت وزارة الخارجية العراقية في بيان بتاريخ 27/8/2021: “تداولت بعض وسائل الإعلام، أن الحكومة العراقية قدمت دعوة للحكومة السورية، للمشاركة في اجتماع القمة لدول الجوار والمزمع عقده في نهاية الشهر الجاري في بغداد”.

وأضافت أن “الحكومة العراقية تؤكد أنها غير معنية بهذه الدعوة، وأن الدعوات الرسمية ترسل برسالة رسمية وباسم دولة رئيس مجلس الوزراء العراقي، ولا يحق لأي طرف آخر أن يقدم الدعوة باسم الحكومة العراقية لذا اقتضى التوضيح”.

بدوره أوضح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، سبب عدم دعوة دمشق إلى قمة بغداد هو لإبعاد الخلافات. وقال حسين، في مقابلة متلفزة على “روسيا اليوم”، (26 اب 2021)، إن “سوريا قضية خلافية دوليا وإقليميا والأخوة السوريون يتفهمون موقفنا بعدم دعوة دمشق إلى الاجتماع لإبعاد الخلافات”.

وأضاف، ان “الغاية من قمة بغداد هو لتخفيف التوتر في المنطقة يفضي إلى تخفيف الاحتقان في الداخل العراقي”.

من جهته انتقد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عدم دعوة سوريا، وقال: “نعتقد أنه كان من الضروري دعوة سوريا كجار مهم للعراق في هذا المؤتمر. طبعا نحن على اتصال ومشاورات مع القيادة السورية فيما يتعلق بالأمن والتنمية المستدامة للمنطقة، وسنتشاور مباشرة مع دمشق بشأن مؤتمر بغداد والتأكيد على الدور المهم لدول المنطقة في أي مبادرة إقليمية”. وهذا ما حدث بالفعل حيث توجه وزير الخارجية الإيراني إلى دمشق عقب المؤتمر مباشرة وبحث مع الرئيس السوري نتائج المؤتمر.

وتعليقاً على عدم دعوة سوريا إلى مؤتمر بغداد 2، اعتبر الكاتب السياسي الأردني موفق محادين أنه”من سخرية القدر وعبث السياسة في المشهد العربي أن توجه حكومة بغداد دعوة إلى تركيا من أجل حضور القمة وتتجاهل شقيقتها السوريّة، التي تشاطرها التهديدات التركية الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى تجفيف المياه والاحتلال التركي لشريط واسع من أراضي سوريا والعراق”.

من جانبها  قالت المحللة الكاتبة والباحثة العراقية فاطمة عواد الجبوري :أعتقد أن الحكومة العراقية والحكومة الأدرنية مدينتان بإعتذار للحكومة الشرعية في سوريا وذلك لإنهما قامتا بدعوة المستعمر الفرنسي الذي احتل أراضينا العربية في كل من سوريا ولبنان وساهم فيما بعد بتأجيج الأزمة السورية من خلال دعم جماعات مسحلة خارجة عن القانون، واستبعدا الدولة الجارة والصديقة سوريا. هذه الدولة التي كانت رائدة في تأسيس الجامعة العربية والأمم المتحدة.

لم تكن سوريا حاضرة في المؤتمر الأول (العام الماضي) والثاني الأسبوع الماضي و السبب ذكرته بوضوح بعض الشخصيات العراقية. وهو الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة وحلفاؤها على هذا البلد بينما يمكن اعتبار سوريا أكبر ميدان دولي للمواجهات الأمنية والعسكرية في المنطقة.

يمكن القول أن البحث عن الأمن الإقليمي دون الأخذ بعين الإعتبار سوريا سيكون أمامه طريق طويل وأن تجاوز سوريا لا يمكن أن يكون طريقة منطقية لحل الأزمة الأمنية في المنطقة، ولكن لماذا لا تتوفر إمكانية مشاركة دمشق في هذه الاجتماعات؟

تكمن الإجابة على هذا السؤال في الضغط الإقليمي من بعض الدول العربية من أجل تجاهل سوريا رغم التأكيد على عنصر “العروبة”، والدور الأمريكي التدميري المزعزع للأمن في سوريا باجراءات مثل نهب النفط والقمح واحتلال الأراضي السورية والوجود الأمريكي في طليعة دعم الاحتلال الإسرائيلي، هي قضايا أساسية حول الأزمة السورية لا ينبغي حصول خلاف عليها ، خاصة وأن المحورين المهمين لمؤتمر بغداد في الأردن هما “الأمن الغذائي” و “أمن الطاقة”، والولايات المتحدة تسرق العناصر الثلاثة (الأمن والغذاء والطاقة) من سوريا.

كما هو واضح منذ انطلاق مؤتمر بغداد الأول، كانت الفكرة فرنسية وبالطبع من ورائها أمريكا لفرض صيغ وقوالب تعاون يستفيد منها الغرب قبل أي بلد في المنطقة، لكن هذه المؤتمرات المقترحة من خارج المنطقة هي السبب الرئيسي والألم المشترك للمنطقة بأسرها وهي الجواب على عدم جدوى العديد من الاجتماعات الإقليمية.

هذا المشهد هو مشهد صادم ومحزن للمنطقة اذ يعقد مؤتمر دعم للعراق في الأردن واسمه بغداد. وقضيته الرئيسية هي التعاون مع جيران العراق بينما فرنسا تلعب فيه دوراً مركزياً بموافقة أمريكا ويفترض من خلاله توفير الأمن بمختلف الأبعاد، لكن لا مكان فيه لشريك رئيسي في الأمن مثل سوريا.

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال