ما تزال منطقة شرق آسيا تتجه نحو إرساء معادلات عسكرية وأمنية استراتيجية جديدة قد تكون مقدمة لصراع خطير وغير مسبوق في الأعوام القادمة، وهي التي تنبئ عنه حالة الاستعداد القتالي المستمر، والتأهب الكامل، والمناورات واسعة النطاق بأعلى درجاتها في المحيطين الهندي والهادي بين قوى متخاصمة قطباها الأساسيان الصين والولايات المتحدة الأمريكية، بالتوازي مع حالة القلق والتوتر المتصاعدة في شبه الجزيرة الكورية، ومضيق تايوان وجزيرتها، وسعي اليابان إلى مضاعفة إنقاقها الدفاعي بشكل كبير تحسباً لأي عمليات عسكرية طارئة محتملة في المستقبل.
وكان رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا قد تعهد بتعزيز القدرات البحرية والعسكرية لبلاده وتقويتها وتطويرها، ليرسل بذلك رسالة مباشرة إلى القيادة الصينية وكوريا الديمقراطية، لكن قد يكون ذلك الاستفزاز عاملاً خطيراً على المدى الاستراتيجي، ولن يكون مريحاً للقوى الحليفة في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، لأن تغيير المعادلات الأمنية والعسكرية سينجم عنه زعزعة للأسس التي قام عليها النظام الإقليمي المعمول به، ، وعندها قد يسفر أي خطأ عسكري أو أمني كبير غير محسوب عن فوضى كبيرة تكسر قواعد الاشتباك المتعارف عليها دولياً، وتؤدي إلى ما هو أسوأ بكثير من نتائج الأزمة الأوكرانية واستطالاتها واستحقاقاتها العالمية .
تعتبر الصين من هذه الوجهة منافسا قويا، كما تعتبر قوة كبيرة يحسب لها حساب في فضائها الحيوي، وكلّ القوى المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية لن تكون في وضع مريح إذا جاهرت اليابان بعدائها الصريح لهذا العملاق القوي، خصوصاً بعدما أقر المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني تعديلات عسكرية هامة ورئيسية تتضمن زيادة في الإنفاق العسكري، والتصنيع، وتطوير القدرات العسكرية والأمنية المختلفة، وتكنولوجيا السلاح المتطور، بما يضمن حماية المصالح الاستراتيجية للصين، ومن ضمنها استعادة شبه جزيرة تايوان التي كانت جزءاً رئيسياً من الصين .
واستناداً إلى مؤشر الحروب الصاعد بشكل كبير، فإن زيادة التحشيد العسكري والأمني الاستخباراتي، وبناء التحالفات العسكرية والاقتصادية، وتصعيد الاحتقان والاستقطاب ستسمح بظهور عصر جديد يقوم على سياسة الإكراه والضغينة لا التعايش، وحينها سيتقهقر الوضع العالمي عقوداً إلى الوراء وتكون العواقب خطيرة، خاصةً أن تلك المنطقة الممتدة من شمال اليابان إلى القارة الأسترالية جنوباً كانت مسرحاً لأخطر المعارك والحروب في العالم.
ومن دون البحث عمن هو الجلاد أو الضحية، فإن البشرية جمعاء في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به العالم بأشد الحاجة إلى التهدئة والأمن والأمان والسلام والتنمية وصناعة الأمل، أما التجهيز للحروب والصراعات والنزاعات وبناء التحالفات العسكرية والأمنية الجبارة فسيكون فألاً سيئاً جداً للبشرية جمعاء.
المصدر: البعث
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال