مع اشتداد الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين في الضفة الغربية وخاصةً في مخيم جنين، أدى التدنيس الاستفزازي للمستوطنين الصهاينة للقدس وإمكانية إقامة مسيرات يوم العلم في هذا المكان المقدس في الأيام المقبلة، إلى زيادة التوترات في فلسطين بشكل كبير عشية الجمعة الأخيرة من رمضان ويوم القدس.
عادةً ما ينظم الصهاينة المتطرفون مسيرة العلم في مايو، بمناسبة احتلال الجيش الصهيوني للجزء الشرقي من القدس عام 1967، والذي كان سابقاً تحت السيطرة الأردنية، وفي طريقهم إلى حائط المبكى(أقدس مكان عند اليهود)، يمرون بأحياء المسلمين في عمل مهين.
هذه الاستفزازات والاعتداءات، وسط تحذيرات متكررة من المقاومة في غزة، خلقت على الفور إمكانية اندلاع بركان الانتفاضة الفلسطينية. وقبل هذه المسيرة المزمعة، حذرت المقاومة الفلسطينية(حماس) من أن “إصبعنا على الزناد”؛ وهي القضية التي دفعت الصهاينة إلى الاندفاع إلى الوسطاء الدوليين لمنع الحرب.
وحسب وكالة صفا للأنباء، نقلاً عن مصدر في المقاومة الفلسطينية، فقد أجرى وسطاء مثل مصر وقطر والأمم المتحدة 150 مكالمة هاتفية في غضون 48 ساعة، لمنع انجرار أحداث المسجد الأقصى إلى مواجهة عسكرية جديدة في المنطقة.
هذا اللجوء السريع للصهاينة إلى الوساطة الدولية، يثبت قبل كل شيء ذعرهم وعمق قلقهم وخوفهم من تداعيات وعواقب الصراع العسكري الجديد مع المقاومة الفلسطينية. ويجب الآن البحث عن سبب هذا الرعب في عدة عوامل، تظهر الإحداثيات السياسية والعسكرية لحروب المستقبل.
التحديات السياسية للحرب بالنسبة للکيان
أدى الوضع السياسي للکيان الصهيوني في السنوات الأخيرة، إلى تعميق الفجوة الداخلية بشكل متزايد بين الهيئة الحاكمة والأزمة في دائرة تقاسم ونقل السلطة. وهذا بدوره انعكاس للوضع الاجتماعي في الأراضي المحتلة، والذي يسير نحو انخفاض التضامن والتماسك الداخلي في مجتمع ثقافي وهويائي متنوع للغاية.
وهذا الوضع الذي يتَّسم بعدم الاستقرار أصبح جزءًا من إحداثيات نظامه السياسي والاجتماعي، ويمكن ملاحظة ذلك في إجراء أربعة انتخابات برلمانية في أقل من عامين، والفشل الكبير في تشكيل حكومة دائمة في السنوات الأخيرة.
إن الوضع السياسي غير المستقر، والذي كان من أهم عوامله وجود الأزمة الأمنية والهزائم المتكررة للجيش الصهيوني في السنوات الأخيرة (باعتباره المنقذ والرکيزة للمجتمع) من المقاومة الإسلامية في غزة ولبنان، جعل الحكومات الصهيونية المختلفة، إلی جانب العروض الدعائية والشعارات السياسية حول التعامل مع تنامي قوة فصائل المقاومة، ينظر بقلق بالغ إلی احتمال نشوب صراع عسكري جديد، وهو الذي يخشی انهيار الحکومات الهشة، والسقوط مجدداً في الدومينو غير المثمر للانتخابات.
في الأسبوع الماضي، مع استقالة نائبة في الائتلاف الذي شكَّل حكومة نفتالي بينيت في الكنيست، دق ناقوس الخطر للحكومة الحالية للکيان، والآن يتحرك بينيت على حافة الهاوية، وستكون الأزمة في الكنيست حتميةً بلا شك مع الشرارة الأولى لحرب جديدة مع غزة.
من ناحية أخرى، يدرك الصهاينة جيدًا أن حربًا جديدةً مع الفلسطينيين، على أساس طبيعة الصراع على القدس، ستثير بشدة نزعات عقائدية ودينية بين المسلمين، وهذا الأمر إضافة إلى تعزيز المکانة الداخلية والإقليمية للمقاومة، سيقضي تمامًا على عملية التطبيع التي دخلت في حالة رکود.
التحديات العسكرية والأمنية واسعة النطاق للکيان
لا شك في أنه عقب نجاح فصائل المقاومة خلال الحروب الأخيرة مع الکيان الصهيوني، فإن أي صراع عسكري جديد في فلسطين سيشكل مجموعةً واسعةً من التحديات العسكرية والأمنية، والتي لن يكون من السهل على الصهاينة تجاوزها.
وأول تحدٍّ أمني كبير محتمل للصهاينة في النزاعات المستقبلية مع الفلسطينيين، والذي كان ظهوره وانتشاره بشكل واضح في السنوات الأخيرة، هو قضية الانتفاضة والثورة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وخاصةً في حدود ما قبل عام 1948.
خلال حرب العام الماضي، وتطورات حي الشيخ جراح ثم حرب سيف القدس التي استمرت 11 يومًا، فإن أحد الأحداث التي کانت تعتبر ظاهرةً جديدةً في تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، وقوَّض بشدة الأمن الداخلي لإسرائيل، هو انتفاضة الفلسطينين في أراضي 1948.
ورغم محاولات الصهاينة عدم تسريب هذه القضية من خلال رقابة شديدة، إلا أنهم فشلوا، وأدى ذلك إلى تصاعد موجة الانتفاضة بين الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة.
على سبيل المثال، بعد أن تبين خلال الحرب التي استمرت 11 يومًا أن أبي هار إيفين، أبو الصناعات العسكرية الإسرائيلية، قد مات موتًا مشبوهًا، كشفت وسائل الإعلام لاحقًا أنه قُتل في الفندق الذي کان يقيم فيه أثناء انتفاضة الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة.
في بعد آخر وفي مجال الحرب مع غزة، من المؤكد أن الصراع المستقبلي سيكون مليئًا بالمفاجآت الجديدة للکيان الصهيوني، حيث إنه إضافة إلى استخدام المقاومة لقوة الصواريخ الدقيقة ذات المدى الأطول لمهاجمة المراكز الاقتصادية والعسكرية الحيوية للکيان، فإن استخدام طائرات الاستطلاع والهجوم دون طيار وكذلك استخدام الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف سيكون في مقدمة المفاجآت.
والكشف عن سلاح المقاومة الجديد المضاد للطائرات في غزة خلال الضربات الجوية الأخيرة لمقاتلات الکيان الصهيوني، تصدَّر أنباء وسائل الإعلام وأظهر تحسن القدرات الدفاعية لفصائل المقاومة.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال