يعيش بنيامين نِتنياهو رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي حالةً من العُزلة، والنّبذ، غير مسبوقة، داخليًّا وخارجيًّا مع قُرب خوضه الانتِخابات البرلمانيّة على رأس حزبه “الليكود”، ويُمكِن رصد العديد من المُؤشّرات التي تُؤكِّد هذا الاستِنتاج:
أوّلًا: مُثوله أمام أحد المحاكم “الإسرائيليّة” قبل أيّام ووقوفه في قفص الاتّهام، تمهيدًا لمُحاكمته بتُهم التّزوير والفساد وتلقّي رشاوى وعُمولات وخِيانة الأمانة.
ثانيًا: اكتِمال الأُسبوع الثّالث، وبَدء الرّابع لتولّي الرئيس الجديد جو بايدن مهام منصبه ولا أثر لإقدامه على رفع سمّاعة الهاتف والاتّصال “بملك إسرائيل” أيّ نِتنياهو، رغم التَّوسُّلات المُباشرة وغير المُباشرة من قبل الأخير، الذي بات يتَعرّق ويتَوارى خجَلًا.
ثالثًا: الجولة الخليجيّة التي أعلن عن قِيامه بها، وكان من المُفترض أن تشمل أبوظبي ودبي والمنامة، جرى اختِصارها في مدينةٍ واحدةٍ ولثلاث ساعات، أيّ أبو ظبي، جرى تأجيلها وربّما إلغاءها، لأنّ الدول الخليجيّة التي وقّعت اتّفاقات تطبيع بدأت تُدرِك حجم الخسائر التي لَحِقَت بها داخليًّا وإقليميًّا من جرّائها، وأبرزها تهديد سِفاراتها في أكثر من عاصمةٍ عالميّةٍ، وتَعاظُم الرّفض الشّعبي الدّاخلي، وتجميد صفقات الأسلحة.
رابعًا: لم يُلَبّ الملك المغربي محمد السادس دعوته لزيارة “تل أبيب” التي كان يُعَوّل عليها نِتنياهو كثيرًا لكسب أصوات مِليون يهودي من أصلٍ مغربيّ، كما أنّ رئيس البرلمان المغربي رفض تلبية دعوة مُماثلة، وجميع مُحاولات نِتنياهو لزيارة المغرب باءت بالفشل أيضًا، وتسود حالة من خيبة الأمل في الأوساط المغربيّة لتَراجُع بايدن عن الاعتِراف بسِيادة المغرب على الصّحراء، وتَزايُد احتِمالات عودة العُنف، وزيادة التَّوتُّر مع الجارِ الجزائريّ.
خامسًا: قُرب المُهلة التي حدّدتها السّلطات الإيرانيّة للولايات المتحدة وحُلفائها الأوروبيين لرفع العُقوبات كاملةً من نِهايتها (21 شباط الحالي) وإلا تخلّيها الكامِل عن الالتِزام ببُنود الاتّفاق النووي، الأمر الذي يعني تخصيب اليورانيوم بمُعدّلات مفتوحة السّقف وطرد المُفتّشين الدّوليين، وإنهاء التّعاطي مع هيئة الطّاقة الذريّة الدوليّة، وكُل هذه التطوّرات تتم دُون أيّ تشاور بين واشنطن و”تل أبيب” حتّى كتابة هذه السّطور.
سادسًا: تهديد الإدارة الأمريكيّة بمنع طائرات شركة “العال” من الهُبوط بمطاراتها إلا إذا تراجعت حُكومة الكيان الإسرائيلي عن قرارها بمنع هُبوط الطّائرات الأمريكيّة في مطار “بن غوريون” بـ”تل أبيب”، وعلى قاعدة المُعاملة بالمِثل، والبادِئُ أظلم؟
ما نُريد أن نقوله إنّ نِتنياهو لم يَعُد يحظى “بالدّلال” الذي كان يتمتّع به طِوال أربع سنوات من حُكم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبات يُواجه إدارةً أمريكيّةً ديمقراطيّةً بنَزعةٍ ثأريّةٍ برئاسة جو بايدن تَنظُر إليه بُدونيّةٍ واحتقارٍ حتّى الآن على الأقل، كرَدٍّ على عدائه السّافر لإدارة الرئيس باراك أوباما التي كان بايدن يشغل منصب نائب الرئيس فيها.
سُبحان مُغيّر الأحوال فلم يَعُد هُناك كوشنر صِهر الرئيس ترامب، ولا مايك بومبيو وزير الخارجيّة الأكثر صهيونيّةً من نِتنياهو نفسه، وباتت أمريكا وبعد تبرئة ترامب من التّحريض على اقتِحام الكونغرس، مشغولةً بهُمومها الداخليّة المُتفاقمة، وأبرزها حالة الانقِسام الرّأسي، والفوضى المُسلّحة التي قد تترتّب عليها، وباتت شِبه مُؤكّدة، وبدأ ترامب يُشَمِّر أكمامه استِعدادًا للنّزول على الحلبة.
نِتنياهو المَغرور المُتَغطرِس بات يُواجِه عُزلةً مُتزايدةً بعد أن تخلّى عنه مُعظم “أصدقائه” و”حُلفائه” القُدامى منهم والجُدد، وتَعاظُم حجم المُظاهرات التي تُحاصِر مقرّه، وتُطالبه بالتّنحّي عن الحُكم، وتسريع إجراءات مُحاكمته، بينما تتضاعف في المُقابل قوّة أعدائه، ويتزايد خطرهم، ونحن نتحدّث هُنا عن إيران.
نِتنياهو باتَ يَشعُر، و”الإسرائيليّون” من خلفه، أن حجمهم يتضائل بسُرعةٍ ويعود إلى ضآلته الحقيقيّة، فبايدن الخبير بشُؤون الشّرق الأوسط، بات يُدرك أنّ هذا التّضخّم المُبالغ فيه وبدأ ينكمش لا يرتكز على قواعد حقيقيّة وصُلبة، وأنّ “تدجين” دُول الجِوار أدّى إلى انتِقال راية المُقاومة إلى أذرعٍ عسكريّةٍ “غير حُكوميّة” أقوى من جُيوش الدّول، إدارةً وإرادةً وتسليحًا، في تَزامُنٍ مع تغييراتٍ مُتسارعةٍ عُنوانها الأبرز صُعود قوّة دوليّة واقليميّة جديدة غيّرت وتُغيّر جميع المُعادلات القديمة وتُخَلخِل الهيمنة الأمريكيّة الأوروبيّة التي سادت لأكثر من قرن.
ترامب خدع نِتنياهو عندما أوهمه بأنّه سيُحَقِّق حُلُمَهُ بتدمير المُنشآت النوويّة، وتغيير النّظام في إيران، ولم يَترُك إلا إرثًا من الجُبن، والكَذِب، والجعجعة بُدون طحن، وغادر السّلطة بعد أن نقل عدوى العزل والنّبذ إلى نِتنياهو ودولته العُنصريّة، ومِثل هكذا أصدقاء من يُريد أعداء.
“رأي اليوم”
مصدر؛iuvmpress.news
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال