بعد تأجيل زيارة بايدن الإقليمية مرارًا وتكرارًا، أعلن البيت الأبيض أخيرًا في بيان أن جو بايدن البالغ من العمر 79 عامًا سيزور الأراضي المحتلة والضفة الغربية ثم السعودية، في زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط يومي 13 و16 يوليو.
تأتي هذه الزيارة في حين أن الظروف السياسية الداخلية ليست مناسبةً کثيراً للأمريكيين والصهاينة على حد سواء، وبايدن في وضع غير مؤاتٍ على الصعيد المحلي عشية المنافسة النصفية للكونغرس. وقد أظهر استطلاع معهد سيفيكس، أن نسبة تأييد بايدن قد انخفضت إلى أقل من 30 في المئة لأول مرة في رئاسته.
ووفقًا لهذا التقرير، فإن 29٪ فقط من الناخبين الأمريكيين يوافقون على أداء بايدن، بينما يعارض 58٪ أفعاله والطريقة التي يدير بها الحكومة.
وأظهر استطلاع الرأي هذا أن شعبية بايدن بين أعضاء حزبه الديمقراطيين قد تراجعت أيضًا، و63 بالمئة من أعضاء هذا الحزب يوافقون على أدائه، وهو ما انخفض بنسبة 25 بالمئة مقارنةً بشهر يونيو. ووفقًا لهذا التقرير، فإن 36٪ فقط من الديمقراطيين يريدون مشاركة بايدن في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
ومن ناحية أخرى، أعلنت حكومة نفتالي بينيت ولبيد رسميًا حلها قبل أسبوعين، ودخل الكيان الصهيوني أجواء الانتخابات الخامسة خلال السنوات الأربع الماضية.
إن تولي لبيد بدلاً من بينيت منصب رئاسة الوزراء، والظروف الداخلية الخاصة للأحزاب في الانتخابات، سيؤثران بالتأكيد على زيارة بايدن. لكن ما يمكن توقعه من هذه الزيارة هو رغبة طرفي الزيارة، أي الصهاينة وابن سلمان شخصياً.
هدف الصهاينة من زيارة بايدن
بخصوص أهداف زيارة بايدن، هناك تكهنات مختلفة، ومراجعتها تظهر أن الزيارة مخططة بناءً على رغبة استراتيجية للصهاينة، أي تشكيل تحالف ضد المقاومة وإيران.
المطلب الرئيسي للصهاينة من زيارة بايدن من وجهة النظر الكلية، هو تحقيق تحالف إقليمي وتوقيع عقود عسكرية كبيرة.
وفي هذا الصدد، كشف أمير بوخبوط، المراسل العسكري لموقع “والا” الإخباري الناطق باللغة العبرية، عن مطالب الکيان الصهيوني من الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وقال بوخبوط في مذكرة إن مسؤولين كبارًا في وزارة الحرب الإسرائيلية أجروا اتصالات مع قادة الجيش الأمريكي، من أجل الحصول على موافقتهم على المشاركة في تطوير نظام الليزر الدفاعي بسبب تكلفته الباهظة.
وأكد أنه خلال زيارة بايدن إلى الأراضي المحتلة، سيقوم قادة الكيان الصهيوني بترتيب لقاء له لزيارة أنظمة الدفاع الجوي، بما في ذلك القبة الحديدية وبيكان والليزر في قاعدة بلماحيم، حتى يتمكنوا من الحصول على موافقته علی إرسال المساعدات المالية للکيان الصهيوني من أجل تطوير وتحسين هذه الأنظمة.
كما ذكر بوخبوط أن أحد مطالب قادة الجيش الصهيوني من بايدن، هو محاولة تشجيع ما تسمى الدول المعتدلة في المنطقة على توسيع التعاون مع الكيان الصهيوني، في مجالات الدفاع وجمع المعلومات من أجل تحييد الهجمات ضد الکيان.
بدوره كشف “المجلس الأطلسي” في مقال كتبه شابيرو، السفير الأمريكي السابق لدى فلسطين المحتلة، عن أجندة بايدن في زيارته إلى الأراضي المحتلة، وذكر أربعة أهداف:
أولاً: التركيز على تعزيز اندماج الكيان الصهيوني في المنطقة على أساس اتفاقيات أبراهام، وإعداد الدول العربية الأخرى لتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، بما في ذلك السعودية.
ثانيًا: تعميق التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بما في ذلك الإعداد لتمويل تكنولوجيا الليزر المضادة للصواريخ والطائرات المسيرة للکيان الصهيوني، وتعزيز تحالف إقليمي أوسع يركز على التهديدات المشتركة والجهود التي تقودها القيادة المركزية الأمريكية، لترتيب دفاع جوي متكامل بين شركاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ثالثًا: تعزيز الإجراءات لتحسين الأجواء بين الکيان الصهيوني وفلسطين، بما في ذلك تحسين الاقتصاد الفلسطيني وتجنب الإجراءات المسببة للتوتر من قبل الجانبين. ورابعاً: التنسيق مع الاستراتيجيين الصهاينة في التعامل مع إيران.
تُظهر مجموعة الأهداف المذكورة أن التركيز الأكبر للصهاينة في زيارة بايدن، يقوم على زيادة دعم ودور إدارة بايدن في التطورات الإقليمية والمواجهة مع إيران.
أهداف ابن سلمان
لكن يمكن القول إن الفائز الرئيسي في زيارة بايدن لن يكون بايدن نفسه، الذي بسبب ظروفه لا يستطيع تحقيق إنجاز خاص لنفسه(مقارنةً بزيارة ترامب إلى المنطقة)، ولن يكون الصهاينة أيضًا، حتى لو نجحوا في تحقيق مطالبهم من الزيارة؛ بل الفائز الرئيسي في هذه الزيارة هو ابن سلمان.
کان ابن سلمان يتصدر الحملة الانتخابية لبايدن الذي وعد بمعاقبته في قضية خاشقجي. لکن الآن يسافر بايدن إلى السعودية بعد عامين، وسيكون ابن سلمان هو الذي يضع الشروط لبايدن، والأخير سيعهد بجزء من النظام الإقليمي إلى السعودية؛ نظام إقليمي يسمى الناتو الشرق أوسطي.
إن فكرة تحالف الناتو الشرق أوسطي هي في الأساس نسخة محسنة من الفكرة القديمة المتمثلة في حلف الناتو العربي، حيث غيرت عضوية ومركزية الکيان الصهيوني اسم الناتو العربي إلى الناتو الشرق أوسطي.
في الواقع، كان الناتو العربي فكرةً مصريةً، اقترحها وزير الدفاع المصري الأسبق طنطاوي في يونيو 1988، ثم ذکَّر الرئيس المصري السيسي بتشكيله مرةً أخرى في فبراير 2015 أثناء زيارته للأردن، إلی أن جری ذکره علی الألسنة مرةً أخرى خلال رئاسة دونالد ترامب وقبل زيارته للرياض في مايو 2017.
وفي الآونة الأخيرة، بعد التوسع الكبير في العلاقات العربية الصهيونية، تم الترويج لهذه الفكرة في شکل خطة الناتو الشرق أوسطي، ويمكن لزيارة جو بايدن القادمة إلى المنطقة أن تساعد في دفع تشكيل هذا التحالف العسكري في المنطقة، ومتابعته من قبل الکيان الصهيوني والسعودية والدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة.
كما أفادت وكالة رويترز في تقرير خاص نقلاً عن أربعة مصادر مطلعة، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تناقش إمكانية إلغاء حظر بيع الأسلحة الهجومية للسعودية، لكن يبدو أن أي قرار نهائي يعتمد على تقدم الرياض نحو إنهاء الحرب في اليمن.
علينا أن ننتظر ونرى إلى أي مدى سيمنح بايدن امتيازات لابن سلمان للتخلص من ضغوطه الداخلية. هذا في حين أن الديمقراطيين يرون أن أي تنازل من بايدن إلى ابن سلمان لن يؤدي فقط إلى إضعاف موقفهم، بل لن يشكل عقبةً في طريق الجهود السياسية والمالية للسعوديين في الانتخابات المقبلة لمساعدة منافسهم.
لبيد والدعاية ضد إيران
الجانب الآخر من هذه الزيارة سيكون رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد يائير لبيد. حيث سيحاول مصادرة استراتيجية خصمه الرئيسي نتنياهو، أي السياسة الخارجية والوقوف ضد إيران والقضية النووية، في الأشهر الثلاثة المتبقية للفوز بالانتخابات.
ولذلك، شهدنا زيادةً غريبةً في تصريحات لبيد بشأن القضية النووية عشية زيارة بايدن. حيث قال لبيد: “نحن في بداية أسبوع تاريخي. بايدن هو أحد أفضل أصدقاء تل أبيب على الإطلاق في السياسة الأمريكية، وهو شخص قال عن نفسه إنه ليس عليك أن تكون يهوديًا حتى تكون صهيونيًا؛ أنا صهيوني. إضافة إلى المخاطر، تستكشف هذه الزيارة الفرص أيضًا. ومناقشة المخاطر سوف تركز أولاً على إيران. حيث كشف مؤخراً عن قيام إيران بتخصيب اليورانيوم بأجهزة طرد مركزي متطورة خلافاً للاتفاقيات التي وقعتها. وتحتفظ إسرائيل، من جهتها، بحرية العمل السياسية والعملياتية الكاملة في الحرب ضد برنامج إيران النووي.”
کما قال لبيد في خطاب ألقاه قبل يومين من زيارة بايدن: “يجب إعادة ملف إيران إلى مجلس الأمن، وتفعيل آلية الزناد.”
بايدن أمام معضلة، إما جذب الدعم أو البقاء على مواقف الديمقراطيين
لكن الشخص الأول في هذه الزيارة، أي بايدن، بسبب ظروفه الداخلية غير المواتية والتهم الموجهة إليه بالتراجع عن شعاراته المسالمة وحل الدولتين وحقوق الإنسان، يحاول قدر الإمكان الحفاظ على موقف معتدل تجاه الکيان الصهيوني وفلسطين.
والسفر إلى إحدى مدن الضفة الغربية، ومساعدة مستشفى في القدس الشرقية(الجزء الفلسطيني من القدس)، هو جزء من هذا الحل. کما يعتزم الرئيس الأمريكي بايدن التبرع بمبلغ 100 مليون دولار للمستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية، خلال زيارته للأراضي المحتلة.
حيث ذكر موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي، أن بايدن سيزور مستشفى فلسطينيًا في القدس الشرقية خلال رحلته إلى الأراضي المحتلة.
كما يحاول بايدن الاستمرار في طريق تطبيع العلاقات بين الدول العربية والکيان الصهيوني، بهدف الحصول على مساعدة اللوبيات اليهودية في الانتخابات المقبلة، وتحقيق إنجاز لنفسه في هذه القضية. وحسب وسائل الإعلام، فإن أحد أهداف الفريق الأمريكي هو تحقيق التطبيع بين الرياض وتل أبيب على هامش زيارة بايدن.
وفي هذا الصدد، قال المستشار السياسي لمحمد بن سلمان في حديث مع صحيفة يديعوت أحرونوت: إن إمكانية إصدار التصاريح اللازمة لعقد لقاء ثلاثي بين المسؤولين الأمريكيين والسعوديين والإسرائيليين أثناء زيارة بايدن للمنطقة وبعد ذلك، مطروحة على جدول الأعمال. وعقد مثل هذا الاجتماع مرتبط بشكل مباشر بنجاح زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط، ولا سيما زيارته إلى الرياض.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال