في الرابع من تموز الجاري كان موكب يجري في هايلاند بارك، شيكاغو. كانت العائلات تلوّح بالأعلام، والأطفال يركضون في الأرجاء، وفرقة تعزف الموسيقى الاحتفالية. كانت الضواحي تحتفل بعيد ميلاد الـ 246 للولايات المتحدة المستقلة، وكانت الحشود غارقة في الفرح. فجأة تعطل الهواء المبهج بفعل ضربات صاخبة من الانفجارات، وقد أخطأ البعض في اعتبارها أصوات عرض للألعاب النارية. في اللحظة التالية كان الناس يصرخون ويهربون خوفاً ويأساً. في اليوم الكبير للبلاد أودى إطلاق نار جماعي بحياة 7 أبرياء وعشرات الجرحى، وما كان يمكن أن يكون مناسبة سعيدة انتهى به الأمر إلى أن يصبح ذكرى مؤلمة للرصاص والدم.
شيكاغو ليست الضحية الوحيدة، فوفقاً لأرشيف العنف المسلح تم الإبلاغ خلال عطلة نهاية الأسبوع في يوم الاستقلال عن أكثر من 500 حالة إطلاق نار في جميع أنحاء البلاد، باستثناء خمس ولايات فقط لم يتم الإبلاغ فيها عن حادث إطلاق نار واحد أو أكثر في ذلك الإطار الزمني. إنه لأمر مروع للغاية أنه في غضون أربعة أيام فقط قُتل ما لا يقل عن 220 شخصاً، وأصيب 570 آخرون بطلقات نارية في الولايات المتحدة.
هذه الأرقام مثيرة للسخرية تماماً مع الأخذ في الاعتبار أنه في 25 حزيران وقع الرئيس بايدن أول قانون تشريع رئيسي لسلامة الأسلحة منذ ما يقرب من 30 عاماً، بينما كان لدى الناس توقعات عالية للقانون، فقد قال الرئيس بايدن :”إن شاء الله، سينقذ الكثير من الأرواح و نحن نفعل شيئاً مهماً”، لكن لسوء الحظ أعطت عطلة نهاية الأسبوع الرهيبة في الرابع من تموز القانون صفعة سريعة على الوجه.
ما جعل السيطرة على السلاح مسألة مستعصية على الحل هو أنها تجاوزت النقاش الطويل حول التعديل الثاني، وخطفتها أرباح الأعمال والسياسات الحزبية، حيث أن الأرباح الضخمة من سوق السلاح تجعل جماعات حقوق السلاح جماعات ضغط قوية. ووفقاً لما ذكرته صحيفة” ذا هيل” تضخمت صناعة الأسلحة بسرعة في الـ 14 عاماً الماضية، وقد أفادت المؤسسة الوطنية لرياضة الرماية أن صناعة الأسلحة قد حققت أرباحاً تزيد عن 70.5 مليار دولار في عام 2021 مقارنة بـ 19.1 مليار دولار قبل 14 عاماً.
تكشف التحاليل التي تجريها مراكز الأبحاث أنه في كل عام بدءاً من عام 1998 تنفق جماعات حقوق السلاح بشكل مذهل على الضغط أكثر من مجموعات التحكم في الأسلحة. على سبيل المثال، في عام 2021 أنفقت مجموعات حقوق السلاح مبلغاً قياسياً قدره 15.8 مليون دولار، أي خمس مرات أكثر من 2.9 مليون دولار من قبل مجموعات مراقبة الأسلحة. ووفقاً لـ “بي بي سي”، تنفق الرابطة الوطنية وحدها حوالي 3 ملايين دولار سنوياً للتأثير على سياسة الأسلحة، كما غردت شانون واتس وهي ناشطة في مجال منع العنف باستخدام الأسلحة النارية: “عنف السلاح مشكلة سياسية”.
على مر السنين، أصبحت السيطرة على الأسلحة واحدة من أكثر القضايا المشحونة سياسياً في الولايات المتحدة، إذ من حيث الجوهر يتعلق الأمر بالنضال السياسي أكثر من الحياة البشرية نفسها. قبل يومين فقط من توقيع الرئيس بايدن على قانون مراقبة الأسلحة ليصبح قانوناً، ألغت المحكمة العليا الأمريكية قانون الأسلحة في نيويورك الذي فرض قيوداً على حمل الأسلحة النارية المخفية، وهذا الإلغاء أضعف جهود الرئيس بايدن للسيطرة على الأسلحة.
على ما يبدو إن الشعار القائل بأن “الشيء الوحيد الذي يوقف الرجل السيئ بمسدس هو الرجل الطيب ذو السلاح” لم يجلب الأمان والسلام للبلاد، ولكنه أغرق المواطنين الأمريكيين في مأزق متناق، حيث من بوفالو وأوفالدي إلى شيكاغو وجنوب كاليفورنيا يخاف الناس ويشتد الغضب، في حين أن الوقت قد يشفي الندوب ويهدئ الغضب بالكاد يتغير أي شيء جوهري، ويبقى السؤال الذي طرحته صحيفة “نيويورك تايمز” بحاجة إلى إجابة ما هي القيمة التي تضعها الولايات المتحدة لحياة الإنسان؟
المصدر: البعث
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال