لم يأتِ رد الفعل على إعلان إيران إطلاق صاروخ “قائم 100” القادر على حمل الأقمار الاصطناعية متناسباً مع ما اعتدنا سماعه من المبالغات الأميركية الأوروبية الإسرائيلية، واقتصر على تحريك استعراضي لبعض القاذفات الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، والتغطية في وسائل الإعلام الإسرائيلية في سياق الصراع الانتخابي داخل معسكر اليمين، والسباق على تأكيد نيات الكيان الصهيوني العدوانية تجاه إيران.
أعداء محور المقاومة رأوا أنّ رد الفعل المحدود يرتبط بكون الحدث ليس بالأهمية التي يصورها الإيرانيون، في حين رأت وسائل إعلامية ذات توجه غربي أنَّ السبب يكمن في طبيعة العلاقة بين الغرب والجمهورية الإسلامية الايرانية، وهي علاقة عدائية لن يزيدها توتراً إطلاق صاروخ هنا أو هناك. كما أنَّ الإعلام الأميركي كان مشغولاً بالانتخابات النصفية الأميركية، التي كان يعتقد أن نتائجها ستحدث تغيرات مهمة في السياسة الخارجية الأميركية.
تساحي هنغبي، الخبير الأمني الصهيوني وعضو الكنيست عن حزب الليكود، أكَّد نيّة رئيس الوزراء المنتخب بنيامين نتنياهو ضرب المنشآت النووية الإيرانية، لأنَّ “الكيان لم يعد قادرة على الاستمرار في العيش تحت التهديد”.
الموقف نفسه تقريباً أعلنه رئيس هيئة الأركان السابق ووزير الأمن في الحكومة الراحلة، عندما أكّد “قدرة الكيان على مهاجمة المراكز النووية الإيرانية وتدميرها”. كلا المسؤولين تجنَّب الإشارة إلى تجربة إطلاق صاروخ “قائم 100″.
بحسب الخبراء العسكريين، فإنَّ الصاروخ المذكور يشكّل إضافة مهمة إلى القدرات العسكرية الإيرانية، ليس بمداه وقدرته على حمل أقمار اصطناعية فحسب، ولكن أيضاً بتميزه بتقنية استخدام الوقود السائل والصلب في مرحلة واحدة، في حين أنَّ التقنية السابقة كانت تقوم على استخدام الوقود على مرحلتين. هذا التغيير يعني صاروخاً أكثر كفاءة وأكبر سرعة.
بعيداً من التفاصيل التقنية التي يتقنها العسكريون، فالصاروخ لا يستهدف دول الخليج الفارسي، وخصوصاً السعودية. إضافةً إلى موقفها الواضح من أنها لا تملك نيات عدوانية تجاه جيرانها العرب والمسلمين، فإن إيران لا تحتاج إلى صواريخ بعيدة المدى لاستهداف دول الخليج الفارسي التي تقع في مرمى الأسلحة التقليدية، وتاريخ إيران الحديث يشير إلى أنها لم تبادر إلى العدوان على أيّ طرف، وإن كانت تتقن الرد بالشكل المناسب.
أعداء إيران، كما تعلن هي ويؤكدون هم، تمثلهم الولايات المتحدة عالمياً والكيان الصهيوني إقليمياً، وهذا الصاروخ إضافة نوعية إلى الكفة الإيرانية في هذه المواجهة.
يبقى السؤال الملحّ: لماذا عاملت الولايات المتحدة و”إسرائيل” موضوع صاروخ “قائم 100” بعدم اهتمام إذا كان بهذه الأهمية، وإذا كان قادراً أيضاً على صنع الفارق في أي نزاع؟ هناك عاملان يتحكمان في رد الفعل الأميركي – الإسرائيلي:
الأول: أن الحديث التقني والتفصيلي عن قدرات “قائم 100” ودوره في أي مواجهة مستقبلية يزيد الضغوط على الحكومتين الأميركية والإسرائيلية لاتخاذ خطوات عسكرية ضد إيران. بعيداً من استعراضات المسؤولين السياسيين الإسرائيليين، يعلم الجميع أن إمكانية الحلول العسكرية ضد إيران شبه معدومة، لأنها تعني حرباً إقليمية.
هذه الحرب لا يستطيع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة تحمل عواقبها العسكرية، ولا يستطيع العالم تحمل عواقبها الاقتصادية. في ظلِّ الأزمة الاقتصادية وأزمة الطاقة الناجمتين عن الأزمة الأوكرانية، فإن العالم لن يتحمّل إطلاق رصاصة، وليس حرباً، في منطقة تصدّر معظم نفط العالم.
لذلك، كان لا بد من تجاوز قدرات “قائم 100” وصياغة الأخبار عنه ضمن الكليشيهات المعتادة للموقف من إيران. يتوقع الكثير من الدوائر الإعلامية والسياسية أنّ أيّ عدوان إسرائيلي على إيران لن يتمتع بأي غطاء سياسي أو شعبي أوروبي، فأوروبا لم تعد قادرة على تحمل المزيد من المغامرات العسكرية الأميركية – الإسرائيلية، وتخشى الولايات المتحدة أن يؤدي انفجار أزمة سياسية مع شركائها الأوروبيين إلى تراجع بعضهم (وخصوصاً ألمانيا وفرنسا) عن دعم أوكرانيا بالطريقة التي ترغب فيها الولايات المتحدة.
الثاني: ما زالت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يراهنان على أعمال الشغب والإرهاب في الداخل الإيراني. وعلى الرغم من نجاح الأمن الإيراني في إحباط المخطط الرئيسي بعد إلقاء القبض على الشبكة الإرهابية الرئيسية، فإنّ الدوائر المعادية تعتبر عملية شيراز الإرهابية نجاحاً يمكن البناء عليه في تأجيج الصراعات الطائفية في إيران.
يظهر رهان أعداء إيران من خلال توالي إعلان الجهات الأمنية الإيرانية ضبط كميات من الأسلحة المهربة عبر الحدود، ومداهمة مشاغل ومراكز لصناعة العبوات والأسلحة الخفيفة والقنابل في بعض المدن الإيرانية، أي أنها حملة إعلامية منظّمة ضد إيران يمكن أن تعيد اللحمة إلى الشارع الإيراني، وخصوصاً الشباب المتحمسين الذين خرجوا إلى الشارع للتعبير عن رأيهم، وليس لهم أي ارتباط بالمشروع المعادي.
جاء الرد الإيراني ليضع المزيد من الضغط على العدو، فقد أعلنت إيران تطوير صاروخ فرط صوتي تصل سرعته إلى 6 آلاف كيلومتر في الساعة، مع قدرة عالية على المناورة واستهداف أنظمة الدفاع الجوي المضادة للصواريخ.
لقد قالت إيران للعالم: نحن نمتلك نظاماً كاملاً، وصواريخ متقدمة بعيدة المدى، وصواريخ فرط صوتية قادرة على حماية صواريخنا. بعبارة أخرى، لا ترهبنا تهديداتكم ومؤامراتكم، ونحن قادرون على الرد بقوة إذا استدعى الأمر ذلك.
درس سياسي قدّمته إيران برسم كل الدول والقوى التي تقف على خط المواجهة مع العدو، ومفاده أن هذا العدو متردد ويتراجع، وعلينا أن نستغل هذا التراجع لنتقدم ونستمر في التقدم حتى نفرض مصالحنا ونستعيد حقوقنا.
بقلم: عماد الحطبة
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال