متى ينتهي الاحتلال الإسرائيلي؟! 16

متى ينتهي الاحتلال الإسرائيلي؟!

في مقالة سابقة تناولت فيها كيف ننهي الاحتلال الإسرائيلي، وخلصنا بمنظومة متكاملة من المقاربات، لا يمكن الإعتماد على مقاربة واحدة ونؤجل المقاربات والخيارات الأخرى، فهذه الإستراتيجية ثبت فشلها مع خيار التفاوض.
فقضية بحجم القضية الفلسطينية وبكل مكوناتها لا بد لها من حزمة متكاملة من المقاربات كل واحدة تدعم الأخرى.

وللإجابة على هذا السؤال، سؤال مقالتنا اليوم نقول أن انتهاء الاحتلال يتحقق متى نرى الكيان الصهيوني يرحل وينسحب من الأراضي الفلسطينية ويتم الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية.. الإجابة قد تبدو صعبة، لكن القاعدة العامة في كل حركات التحرر في العالم تقول أنه لا يوجد إحتلال دائم، ولا يوجد شعب يقبل بالإحتلال إلى الأبد، وخصوصا كالشعب الفلسطيني الذي يملك قدرات وعناصر قوة كثيرة. وكما رحلت الولايات المتحدة من أفغانستان بعد عشرين عاما من الاحتلال العسكري من قبل أقوى دولة في العالم وخسائر مالية تجاوزت التريليون دولار وآلاف القتلى، بفعل مقاومة الشعب الأفغاني. وبصرف النظر عن الموقف من طالبان وسياساتها، لكن إرادة الشعوب التي رأيناها في نماذج كثيرة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أجبرت أكبر القوى الإستعمارية، بريطانيا وفرنسا والبرتغال وأسبانيا وغيرها.. هذا قانون حتمية النضال والتحرر الوطني وملخصه في كلمات بسيطة أنه لا يوجد شعب مهما كان ضعفه يقبل ان يعيش تحت إحتلال شعب آخر.

إسرائيل ليست مستثناة من ذلك، فحتما سيرحل الكيان الصهيوني من الأراضي الفلسطينية، فقد رحل من غزة بفعل المقاومة، وغزة الصورة الصغرى للصورة الفلسطينية الكبرى.. اليوم الكيان الصهيوني مستمر في إحتلاله لأراضي الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية، وما زال يمارس حصاره لغزة التي شهدت أربعة حروب في اقل من عقدين، وبقيت إرادة الشعب الأقوى، والشعب الفلسطيني في كل مدن الضفة الغربية يمارس رفضه ومقاومته للإحتلال، والقدس الشرقية والشيخ جراح أنموذجا قويا برفض إحتلال الكيان الصهيوني. وهنا نحن أمام نموذج مختلف عن النماذج الإحتلالية الأخرى كما ذكرنا أن القوى المحتلة جاءت من الخارج في صورة قوتها العسكرية، اما في النموذج الإسرائيلي فالصورة مختلفة، فالإحتلال من الداخل، لأن الأرض كلها واحدة ومتكاملة وقد تكون غير قابلة للإنقسام.

الكيان الصهيوني لا يعترف أنه دولة إحتلال، ويقيم المستوطنات ويزرعها في قلب الأرض الفلسطينية، واليوم هذه المستوطنات تبتلع أكثر من نصف أراضي الضفة الغربية، ويتواجد بداخلها ما يقارب المليون مستوطن، وهذا يزيد من حجم التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني، ولا يعترف ان هناك شعبا تحت الاحتلال، ويتعامل مع الشعب الفلسطيني كعدد سكاني له إحتياجات إقتصادية وبعض الحقوق الإجتماعية، ولا تعترف له بالحقوق السياسية. ومن ناحية أخرى تقيم الحواجز العسكرية بين المدن الفلسطينية ويمارس أقصى درجات إمتهان الكرامة الوطنية للمواطن الفلسطيني.

هذه الصورة من الاحتلال اشد من كل صور الإحتلال التي عانت منها شعوب العالم الثالث، وأكثرها خطورة. هذا النموذج من الاحتلال سيفجر كل مقومات الرفض الفلسطينية، ولنا في نموذج الأسرى الستة الذين حطموا أسوار السجن العالية والمتجذرة أرضا بأدوات بسيطة ليخرجوا من سجنهم وحتى ولو لأيام قليلة، لكن العبرة في الدلالة ان الشعب الفلسطيني لن يقبل ان يستمر تحت الاحتلال وسيكسر كل القيود ويسترجع أرضه ليعيش بكرامة كأى شعب آخر.

والشعب الفلسطيني يملك كل القوة الشاملة، ويملك قوة الإرادة والصمود والتحدي، وهذا ليس كلاما تنظيريا، فمنذ ان أحتلت إسرائيل الأرض الفلسطينية عام 1967 والشعب الفلسطيني يعبر عن رفضه للاحتلال، وقام بإنتفاضتين كبيرتين، وإستمرت كل صور المقاومة كما نراها في بيتا قضاء نابلس وفي الخليل وجنين ورام الله والقدس وكل المدن الفلسطينية.. المقاومة مستمرة وخصوصا في شكلها السلمي والشعبي. لكن هذه المقاومه تحتاج إلى المزيد من التفعيل على الأرض وإبراز الجانب العنصري الإضطهادي الذي تمارسه إسرائيل.

ويبقى السؤال متى يرحل ومتى ينتهي الاحتلال؟

قد يصعب الإجابة المحددة، لكن لا يمكن أن يبقى الإحتلال إلى الأبد. وهذا يتطلب إنتفاضة سلمية شاملة مدعومة بتفعيل كل الخيارات الأخرى بالذهاب إلى المحاكم الدولية ومحاكمة الاحتلال كمجرم حرب، وبتفعيل قرارات الشرعية الدولية والمسؤولية الدولية، وبإستنهاض البعد العربي وتحميل الدول العربية مسؤولياتها وخصوصا من لها علاقات سلام مع إسرائيل، وقبل كل هذا إنهاء الإنقسام وإعادة بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال وبناء نظام سياسي توافقي وتجديد الشرعية السياسية وصياغة رؤية وطنية للمرحلة الإنتقالية، والعمل على جعل فلسطين قضية شعوب العالم كما هي قضية دول وأمن وإستقرار عالمي. ولتدرك إسرائيل أن لا أمن وبقاء وسلام إلا مع الشعب الفلسطيني، وبإنهاء إحتلالها والبحث بعد ذلك عن صيغ للتعايش السلمي.

بقلم: د.ناجي صادق شراب

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال