تعدّ قرية أبو شوشة من بين أربعمئة وخمسين قرية فلسطينية دمرها العدو الصهيوني عام 1948، وهي تشترك معها في قدر ومصير التدمير والإبادة الجماعية التي يمارسها هذا العدو منذ احتلاله أرض فلسطين العربية، ذلك التدمير والإبادة لم يأت بفعل الأحداث التي ترافق الحروب وويلاتها، وإنما نتيجة لمخطط مدروس يستهدف أرضاً تضم عرباً يجب اقتلاعهم لصالح الاستيطان الصهيوني.
ففي فجر يوم 14 أيار عام 1948، شنّت وحدات من لواء جفعاتي هجوماً وحشياً على قرية أبوشوشة التي تقع إلى الشرق من مدينة الرملة بهدف احتلالها وطرد أهلها. كانت تلك بداية مذبحة رهيبة مجهولة، لم يكشف النقاب عنها لسنوات طويلة حتى شهر آذار عام 1995، حين أصدر مركز الأبحاث في جامعة بيرزيت في الأرض المحتلة كتاباً عنها ضمن مشروع المركز الخاص بالقرى العربية التي دمرت عام 1948، والكتاب خاص بقرية أبوشوشة قضاء الرملة وقد جمعت مادته من شهود عيان الذين بقوا على قيد الحياة. تلك المجزرة التي راح ضحيتها نحو ستين شهيداً من النساء والرجال والشيوخ والأطفال. المحظوظون منهم قتلوا رمياً بالرصاص فرادى، أو جماعات صفّوا أمام الجدران، أما الآخرون فقد فلقت هاماتهم بالبلطات في أزقة القرية أو داخل البيوت.
وقعت مذبحة أبو شوشة عشية موعد انتهاء الانتداب البريطاني (يوم 14 أيار) وبينما القادة الصهاينة يعدون عدتهم الأخيرة لقيام الدولة، كانت شوارع ومساكن قرية أبو شوشة ما زالت مخضبة بدم العشرات الذين قتلوا أو قطعت رؤوسهم، ولم تكن تلك الدماء قد جفّت بعد. كانت المذبحة بحجمها وأبعادها المأساوية صدمة مذهلة لأبناء القرية، فاقت بكثير أبشع كوابيسهم. ففي 13 أيار عام 1948، ونتيجة المذابح والذعر والهلع الذي لفّ فلسـطين، فرضت معادلة” الموت أو الرحيل”، فإن أهل أبوشوشة – على الرغم من معرفتهم بما يمكن أن يصيبهم – اتخذوا قرار البقاء في منازلهم والدفاع عن ديارهم.
بدأت عملية “تطهير القرية” وقتل عدد من الطاعنين بالسن في أزقة القرية حيث لم يشفع لهم شيبهم أو شيخوختهم، وقتل الرجال بالبلطات وبعضهم بالرصاص. وبعد مرور ثلاثة أيام سمح بدفن الشهداء وقد هرعت النسوة إلى دفنهم حيث جمعن بعض الجثث في الخنادق التي كانت معدة للدفاع، ووضعن جثثاً أخرى فيما تيسر من حفر، واكتفين بإهالة التراب على الباقين.
كان هناك قراراً صهيونياً بتهجير سكان القرية، لذلك استمرت عمليات القتل ودبّ الرعب في نفوس الأهالي. يذكر في هذا الصدد أن طفلاً صغيراً لا يتجاوز عمره العشر سنوات كان مع أمه في إحدى المغارات، وبعد ساعات من السماح للنساء بالذهاب إلى بيوتهن أخذ أحد القتلة الطفل وأمام عيني أمه رفع بلطة وانهال بها على رأسه فانفلق ومات الولد على الفور. تقررت عملية الترويع على هذا النسق حتى جاء اليوم الذي نودي فيه على من تبقى من سكان القرية لكي يخرجوا من بيوتهم، وحين استجابوا وجدوا أنفسهم محاصرين بين صفين من الجنود، وطلب منهم مغادرة البلدة باتجاه قرية القباب الواقعة شرق أبو شوشة، ولم يسمح لأحد بأن يحمل شيئاً معه، وأرغم الجميع على السير باتجاه واحد فقط. ولحثّهم على الإسراع بالخروج شرع أحد جنود الصهاينة بإطلاق الرصاص بين أرجلهم فأصيب كثيرون وأجهضت سيدات وهرول الجميع هرباً من الموت. ولم يسمع أحد بالمجزرة سوى سكان القرية القريبة التي آوت من تبقى من أهل أبو شوشة.
ومن الملفت للانتباه، أنه في تمام الساعة الواحدة ظهراً من 14 أيار 1948، أي بعد عدّة ساعات من اكتمال مجزرة أبو شوشة في ضحى ذلك اليوم كان مجلس قادة الصهاينة يصادق في تل أبيب على وثيقة إعلان ما سمّي “دولة إسرائيل” على أرض فلسطين، وكانت الوثيقة تَعدُ سكان الدولة العرب والتي كان أهل أبو شوشة ضمن حدودها بالمواطنة التامة القائمة على المساواة والتمثيل المناسب في جميع مؤسسات الدولة.
وبالنهاية محيت القرية من الوجود وتحوّلت أرضها الآن إلى حدائق مزروعة بالخوخ والبرقوق تابعة لمستوطنة زراعية باسم “كرمي يوسف” وأقيمت في تخوم القرية أربع مستوطنات أخرى. أما منحدراتها الجبلية فإنها مزروعة الآن بأشجار المشمش، لكن مذبحة قرية أبو شوشة لم تمح من ذاكرة الفلسطينيين وأحرار العرب ولم تعد مجهولة لديهم، وستبقى هي والمذابح الأخرى شاهد على وحشية الإرهاب الصهيوني الذي يمارس ضدّ الشعب العربي في فلسطين منذ قبيل قيام الكيان الإسرائيلي الإرهابي حتى الآن.
المصدر: البعث
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال