يلاحظ في الآونة الأخيرة تصاعد خطاب والثقة بكلام محور المقاومة وفاعليه المختلفين من دول وحركات متعدّدة، سواء من حيث القدرة والإمكانات المتعلقة بالمواجهة وتوفير ما يلزم لذلك، أو من حيث التأكيد على حتميّة الوجود الصهيوني في المنطقة واقتراب زوال كيانه المزعوم.
لاشك أن نوعاً من مثل هذه التصريحات يمكن وضعه في سياق الحرب النفسية الدائرة بين المقاومة والكيان الصهيوني، ولكنها تقرأ بشكل جديّ من قبل قيادات هذا الكيان السياسية والعسكرية وتحذر منها مراكز الدراسات المرتبطة مباشرة بالمؤسّسات الرسمية الصهيونية أو المقربة منها. فمن أين يأتي محور المقاومة بهذه الثقة وكيف يمكن البناء على هذه التصريحات، ولماذا حكومة الكيان الصهيوني تتحذر منها بشكل كبير وتتلمس خطورتها وتسلّم بها، وفق ما كشفته صحيفة “هآرتس” بعد أيام من استهداف قاعدة الاحتلال الأمريكية في منطقة التنف بخمس مسيرات من محور المقاومة؟.
المتابع لطبيعة الصراع في المنطقة بين الكيان الصهيوني والدول العربية بداية، ثم مع محور المقاومة، يلاحظ عدة نقاط شكّلت في السابق نقاط تفوق للكيان الغاصب واليوم باتت في حالة انقلاب تهدّد بزواله:
أولاً: من المعلوم في السابق أن هذا الكيان زُرع في المنطقة بتآمر بين ما يُسمّى الحركة الصهيونية والانتداب البريطاني الذي كان يحتلّ فلسطين العربية، وبتواطؤ مع فرنسا الدولة المحتلة الثانية والسلطنة العثمانية المهترئة في تلك الفترة، وحصلت على دعم غربي وكانت أول دولة تنشأ داخل الأمم المتحدة، ومع تغيّر موازين القوى في النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية وانتقال مركز الثقل العالمي باتجاه أميركا، بات الكيان الطفل المدلل للإدارات الأمريكية المتعاقبة وتقدّم له كل الدعم اللا محدود، وهذا ما برز في فترات الحروب من عدوان 1967 وما تلاها، وفي أوقات التفاوض التي انحازت فيها أميركا لتهيئة الظروف لتحقيق الصهاينة طموحاتهم وأهدافهم. الأمر اليوم اختلف حيث إن القوى العظمى التي كانت تحمي هذا الكيان باتت بحاجة لحماية، ونفوذها في المنطقة ينحسر بشكل ملحوظ، وخاصة بعد الصورة المذلّة التي خرجت منها في أفغانستان، والبيان الهزيل الذي صدر عن الجيش الأمريكي بعد استهداف التنف.
ثانياً: كانت الدول الغربية والولايات المتحدة تحرص على التفوق النوعي للكيان الصهيوني، سواء من الناحية العسكرية أو السياسية وحتى الاقتصادية والتكنولوجية، في سعي الغرب لاستمرار فرض حالة الغوغائية التي كان يعيشها العرب ووضع الحطب فوق الخلافات البينيّة المتأزمة لتعميق الانشقاق فيما بينها، في العقدين الأخيرين بات من المسلّمات لدى الصهاينة ومن خلفهم بأن محور المقاومة باتت لديه قدرات عسكرية تكنولوجية ومقدرات عقلية وخبرات تراكمية لم تكسر بها توازن الردع فحسب، بل شكلت هاجس رعب يسيطر على الصهاينة مع أي اعتداء يقومون به أو حرب يفكرون في شنّها.
ثالثاً: لطالما تفاخرت القيادات العسكرية الصهيونية بأنها تمتلك زمام المبادرة في شنّ الحروب والاعتداءات في أي وقت ولخدمة أي هدف، وبالقدرة على الحسم خلال أيام، وأن يكون المجال هو خارج الأراضي المحتلة. حتى هذه القاعدة اليوم باتت هباء منثوراً، فقد أصبح الداخل المحتل من أقرب نقطة لآخرها في استهداف محور المقاومة الذي بات يمتلك “داتا” معلومات حول المواقع الحيوية التي تشلّ الحياة للصهاينة، وهو ما حصل مؤخراً خلال معركة “سيف القدس”، فقد تمكنت المقاومة من إغلاق المطارات والموانئ وأصبح الصهيوني أسير جداره العازل.
رابعاً: اتبعت الصهيونية ووليدتها الإسرائيلية سياسة فرق تسد، وهي السياسة التي لطالما شكلت عبئاً على العرب في صراعهم مع الصهاينة، وخاصة بعد حرب الخليج الثانية التي شكلت أول خرق للأمن القومي العربي من قبل الدول العربية ذاتها، ولكن هذه السياسة لم تنجح مع محور المقاومة الذي قام بتحالف استراتيجي سوري إيراني بعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، وخروج مصر من جبهة الصراع بعد اتفاقية كامب ديفيد.
على العكس من ذلك فهذا المحور الذي ابتدأ في دولتين اتسعت دائرة أطرافه اليوم لتشمل العراق ولبنان وصولاً لليمن، ويلاحظ خلال العقد الأخير أن جبهاته باتت أكثر اتصالاً وتداخلاً، في حين أن الداخل الصهيوني وباعتراف مسؤوليه وباحثيه ومفكريه ووسائل إعلامه أكثر المجتمعات في العالم انقساماً وتشرذماً وتفككاً.
المصدر: البعث
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال