منذ بدء الأزمة/الحرب في سورية وعليها، لم يتوقف النظام التركي عن المراوغة في سياسات وتصريحات ذات خلفية استعمارية ساعية إلى تقويض أي حل سلمي للأزمة السورية، فأساليبه، صبيانية، لا ترقى إلى مستوى الدبلوماسية في العلاقات الدولية التي تمارسها الدول ذات الأنظمة السياسية المتزنة.
في سياق هذه السياسات، خرج علينا مؤخراً وزير خارجيته مولود تشاويش أوغلو ليطلق تصريحات يمكن وصفها بالمراوغة وذات مدلولات ومقاصد كامنة غير سليمة، بل تبيت لنيات سيئة في العمل السياسي وفق أجندات تخريبية في تطورات ملف الحل السياسي للأزمة السورية.
فأوغلو أطلق تصريحاته تلك لتمثل قنبلة صوتية انتشرت بسرعة البرق في العالم الافتراضي وعلى وسائل الإعلام، إذ قال في مقابلة تلفزيونية مع قناة «TV100» التركية، نقلتها وكالة الأناضول التركية الرسمية للأنباء: «تركيا ستقدم كل أنواع الدعم الممكن للنظام السوري لاستعادة سيطرته على مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية التي تحظى بدعم واشنطن»، بقدر ما تبدو تصريحات أوغلو إيجابية بقدر ما تضمر بين كلماتها حقائق هذا النظام الاستعمارية ونياته الخفية في الاستمرار في احتلال الأراضي السورية، فهو يحدد المناطق التي ستدعم بلاده استعادتها، بأنها مناطق سيطرة الميليشيات الكردية فقط التي تدعمها واشنطن، أي يحدد حق الدولة السورية في استعادة أجزاء محددة من أراضي البلاد، وهذا يعتبر ضمنياً أن المناطق التي يسيطر عليها نظامه وتنظيماته الإرهابية أمر واقع لا يجب الوقوف عنده.
وتأكيداً على نياته المضمرة الخبيثة، تابع تشاويش أوغلو: «نرى من الحق الطبيعي للنظام السوري أن يزيل التنظيمات الإرهابية شرق الفرات، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة كإرهابيين أيضاً»، وهذه ازدواجية معايير النظام التركي في تصنيف الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، ومحاولة إسباغ الشرعية على الأخيرة باعتبارها في كنفه وعاملة بإمرته، واللافت أكثر في تصريحاته دعوته الاحتلال الأميركي للخروج من سورية، معتبراً أن وجوده «غير شرعي» وكأن وجود قوات تركيا الاحتلالية في سورية، شرعي.
اللافت أكثر في تصريحات تشاويش أوغلو هو توقيتها إذ أتت، بعد أقل من 24 ساعة على بيان للمتحدث باسم الجيش العربي السوري أكد فيه جاهزية قوات الجيش العربي السوري للتصدي لأي عدوان تركي محتمل من قبل النظام التركي وتنظيماته الإرهابية، وبالترافق مع الدعوات العراقية لمواجهة الاحتلال التركي في ظل ارتفاع قتلى قواته الاحتلالية في كل من سورية والعراق، وبالترافق أيضاً مع بيان مجلس الأمن الدولي الذي أدان الهجوم التركي في شمال العراق، إذ إن النظام التركي الذي كان يهدد بعملية عدوانية على شمال شرق سورية، وجد نفسه أمام مأزق إقليمي ودولي، ما اضطره إلى إطلاق هكذا تصريحات على لسان وزير خارجيته للتخفيف من ردات الفعل وامتصاص الغضب الإقليمي والدولي ضده.
انطلاقا مما سبق تمثل حالة الضغط الإقليمية والدولية المشتركة، التي تتطلب تنسيقاً عراقياً سورياً عالي المستوى للرد على التجاوزات التركية، سواء العسكرية منها أو فيما يخص موضوع المياه، والمترافقة مع ضغط دولي مواز وخصوصاً من قبل ضامني أستانا، روسيا وإيران، تمثل آلية من آليات الضغط على هذا النظام لتبديل مواقفه.
إن حالة المراوغة في السياسات التركية عبر إطلاق التصريحات باتجاه عودة العلاقات مع سورية، تضع لها حدا الاشتراطات السورية لعودة التنسيق بين البلدين، إذ أكدت دمشق أكثر من مرة كان آخرها خلال المؤتمر الصحفي المشترك لوزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي أتى إلى دمشق بعد زيارة لأنقرة حاملاً الوساطة من النظام التركي لاستعادة العلاقات مع سورية.
في حالات الاعتداء الخارجية تلك، تبرز أهمية العمل العربي المشترك والدفاع العربي المشترك، ومن ثم أهمية التنسيق في المواقف العربية المشتركة وهو ما يجب حسمه خلال القمة العربية القادمة.
المصدر: الوطن
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال