نادراً ما تحدد مسائل السياسة الخارجية أجندة انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، ولم تكن انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 استثناءً من هذه القاعدة، إذ تبين أن الناخبين الأمريكيين مهتمون في المقام الأول بقضايا داخلية ومثيرة للانقسام بشدة مثل التضخم، والإجهاض، والهجرة، والجرائم العنيفة، وتغير المناخ.
اختلف الديمقراطيون والجمهوريون بالطبع أيضاً حول مجموعة واسعة من القضايا الدولية التي تتراوح من مصير خطة العمل الشاملة المشتركة إلى إصلاحات منظمة التجارة العالمية. ومع ذلك، يمكن القول إنه يوجد إجماع قوي من الحزبين على الاستراتيجية العالمية الأمريكية الشاملة، بما في ذلك المواقف تجاه الصراع الروسي الأوكراني الجاري. وبناء على ذلك، ستستمر المساعدات العسكرية الأمريكية إلى كييف طوال عام 2023، ليس فقط لأنه من المرجح أن يوافق الكونغرس الديمقراطي المنتهية ولايته قبل كانون الثاني على حزمة المساعدة التالية التي تقدر بالمليارات، ولكن أيضاً لأن غالبية الجمهوريين المنتخبين مؤخراً ليس لديهم أي اعتراضات أساسية على مواصلة دعم الأوكرانيين لجهود الحرب، ومحاولة إضعاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هناك عدد من الملاحظات الدقيقة المتعلقة بالدعم الجمهوري العام لنهج إدارة بايدن تجاه أوكرانيا، والتي قد تؤثر على سياسات الولايات المتحدة بشأن هذه المسألة بالفعل في عام 2023 وما بعده، وهي:
أولاً: كان الحزب الجمهوري دائماً أقل سخاءً في المساعدات الخارجية من الحزب الديمقراطي، وسوف يتجلى هذا التقطير حتماً في أوقات تصاعد الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية في الداخل. وفي هذا السياق، صرح كيفين مكارثي، الزعيم الجمهوري في مجلس النواب، أكثر من مرة، أن أوكرانيا لن تحصل على “شيك على بياض” في الكونغرس الذي يقوده الحزب الجمهوري. وأقل ما يمكن أن يفعله هو وزملاؤه المشرعون هو المطالبة بمراقبة أكثر صرامة لكيفية استخدام كييف للتمويل، والمعدات العسكرية الأمريكية، وتقديم إجراءات محاسبية أكثر شفافية وتفصيلاً المصاحبة لعمليات تسليم المساعدات المستقبلية.
ثانياً: مع ارتفاع إجمالي المساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيا إلى أكثر من 55 مليار دولار، من المرجح أن يدعو الجمهوريون إلى تغييرات كبيرة في تقاسم الأعباء بين واشنطن، وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين. وحتى الآن، لم يقم فولوديمير زيلينسكي إلا بدفع نصف ما قدمته الولايات المتحدة. يعتقد العديد من السياسيين الجمهوريين المنتخبين حديثاً أن هذا التوزيع للجهود الحربية غير عادل، لأن الأزمة الأوكرانية، في النهاية، مشكلة أوروبية وليست أمريكية. لذلك من المرجح أن يزداد الضغط على أوروبا، خاصةً إذا كان القتال في أوكرانيا سيستمر ولم يتم التوصل إلى وقف مستقر لإطلاق النار في عام 2023.
لا تزال هناك مخاوف عامة حول مركزية الملف الأوكراني في ملف السياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث تشير الحكمة التقليدية إلى أن إدارة بايدن كانت قادرة على أن تصبح المستفيد الرئيسي من الصراع، وذلك من خلال استخدام البيت الأبيض الأزمة كوسيلة لتنظيم حلفائه الأوروبيين والآسيويين لتقوية، وتوسيع تحالف الناتو، ولاستكشاف فرص مربحة جديدة لـ صناعة الدفاع الأمريكية، وللترويج للغاز الطبيعي المسال الأمريكي باهظ الثمن في الاتحاد الأوروبي، وما إلى ذلك.
ومع ذلك، يجادل الكثيرون في الحزب الجمهوري بأن التركيز الأخير على أوكرانيا منع إدارة بايدن من التركيز على ما هو مهم حقاً بالنسبة للولايات المتحدة. وعليه من المرجح أن يُظهر الحزب الجمهوري داخل الكونغرس الجديد مواقف أكثر صرامة فيما يتعلق بـ بكين، والمزيد من القيود التشريعية على تجارة التكنولوجيا الفائقة مع الصين، وخطابا أكثر تشدداً من مبنى” الكابيتول هيل”. كما أن التركيز الجديد على الصين لن يغير موقف الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، لكنه قد يؤثر على خطاب السياسة الخارجية في واشنطن.
إن التحدي المتمثل في مواجهة الصين أصعب بكثير، وأكثر إثارة للجدل، وأكثر تكلفة من تحدي دعم أوكرانيا ضد روسيا. ومع ذلك، في عقلية العديد من الصقور الجمهوريين، لا يمكن تجاهل هذا التحدي، أو التخفيف من حدته، أو حتى وضعه في الخلف لمدة عامين آخرين، ولذلك سيواصلون باستمرار تذكير البيت الأبيض مراراً وتكراراً بهذه الأولوية القصوى بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية.
المصدر: البعث
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال