بعد الانتخابات الأمريكية وإعادة انتخاب ترامب لقيادة البلاد تعززت التكهنات بشأن توجهاته السياسية والاقتصادية المختلفة. في هذا السياق تواجه أوروبا مخاطر جدية من القرارات المحتملة لزعيم البيت الأبيض. وهذا يجعل من الضروري تساؤل أوروبا عن المسار الذي يجب أن تسلكه، سواء كانت قادرةً على الوصول إلى توافق في الأهداف الرئيسية بين قادتها أم لا.
وجود ترامب مجددًا في البيت الأبيض يعني بداية تحولات ربما تكون غير متوقعة في النظام الدولي. إذ إنه سيستعيد قيادة أكبر اقتصاد في العالم وقد نظم برامجه الاقتصادية الكبرى حول شعار "أمريكا أولًا" موجهًا جهوده نحو تعزيز الاقتصاد وخلق الوظائف للأمريكيين. بالإضافة إلى ذلك تسعى إدارته إلى إدارة واحتواء الصين وهو أمر كان استراتيجية تقليدية لجميع الحكومات الأمريكية، حيث لا ينبغي لهذه الدولة أن تتحول إلى القوة الاقتصادية الثانية في العالم. وبالتالي فإن خطر الصين بالنسبة لأمريكا عالي الخطورة. وإذا كان ترامب يسعى إلى احتواء الصين خاصة في مجالات الاقتصاد والتجارة فإن ذلك يعد مثابة إنذار كبير لأوروبا.
يجب على أوروبا أن تدرك أن الاستراتيجيات السياسية في أمريكا قد خضعت لتغييرات عميقة ولم يعد هذا البلد يسعى إلى تلبية احتياجات حلفائه من دون تحقيق أقصى استفادة. وإذا أدركت أوروبا هذا الأمر فقد تتمكن من تقليل الأخطاء في تحليلاتها الاستراتيجية.
في هذا السياق إذا كانت أمريكا تحت إدارة ترامب تسعى إلى ازدهار اقتصادي فإن قارة أوروبا ستواجه مشكلة كبيرة تتمثل في فرض تعريفات جمركية مرتفعة على المنتجات الأوروبية المصدرة إلى أمريكا. ومن المحتمل أن يحدث ذلك لأن صادرات أوروبا تزيد عن وارداتها من الولايات المتحدة وهذا يمثل خسارة بالنسبة لترامب. لتعويض هذه الخسارة من المرجح أن يفرض ترامب تعريفات تتراوح بين 10 إلى 20 بالمائة على السلع المستوردة من أوروبا. وهذه التعريفات تعني زيادة في التضخم وتقليص الإنتاج في أوروبا التي لم تتمكن بعد من تجاوز الأزمات الاقتصادية، واستمرار هذا الاتجاه قد يؤجل المزيد من النمو والازدهار في القارة الأوروبية.
إلى جانب هذه المشكلة يجب على أوروبا أن تنظر بعناية إلى السياسات الأمريكية تجاه الصين، حيث إن أي مواجهة قد تُخيّم على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين قد تؤثر سلبًا على أوروبا أيضًا، خاصة أن الصين ستحاول جعل أوروبا سوقًا بديلة عن أمريكا.
موضوع آخر مهم تواجهه أوروبا في فترة ترامب الجديدة هو قضية الأمن؛ إذا اتفق الأوروبيون على قضايا اجتماعية واقتصادية فإنه من غير المرجح أن يتفقوا على موضوع الأمن. لا تزال خطة الاستقلال الاستراتيجي التي طرحها ماكرون والتي تمثل إرث فترة ترامب الأولى تواجه نقص الدعم العام في أوروبا. فضلت دول منطقة البلطيق أمريكا غير المستقرة على فرنسا الهشة أو بعض القادة الأوروبيين الذين يرغبون في إنهاء الحرب في أوكرانيا بالشروط الحالية. في الواقع لم تتمكن أوروبا في معظم القضايا الأساسية من التوصل إلى نهج مشترك. بينما كانوا يستعدون لإجراء إصلاحات جذرية في الاتحاد، أجبرتهم عودة ترامب على إعادة ترتيب أولوياتهم.
الآن بدلاً من إصلاح هيكل قوانينهم أو تعزيز الروابط الداخلية بين دول الاتحاد، يجب على أوروبا التفكير في كيفية تأمين الموارد اللازمة إذا لم يهتم الأمريكيون بتغطية تكاليف الحرب في أوكرانيا. أو إذا كان الناتو يحتاج إلى ميزانية تتجاوز 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي من أين سيتم تأمين تلك الأموال بحيث لا تبقى أوكرانيا وحدها في صراعها مع الروس.
يبدو أن أوروبا على مدار العقد الماضي تأثرت بشكل كبير بالأزمات المختلفة ما جعلها غير قادرة على الوصول إلى برامجها الرئيسية والمركزة على التنمية بشكل كامل. ونتيجة لذلك زادت درجة تعرضها لمختلف تحولات النظام الدولي. في الواقع تجد أوروبا نفسها في مستنقع كبير وهي أحد العوامل الرئيسية في تشكيله. من دون الاهتمام بتوجهات التغيير في هيكل النظام العالمي تسعى أوروبا بالاعتماد على استراتيجياتها القديمة والمستهلكة إلى فهم العالم الجديد لكن لم تحقق النجاح في ذلك. الآن يجب أن نرى ما إذا كانت أوروبا ستفصل بين سياساتها القديمة لتتبنى أساليب جديدة تساعدها على الخروج من قاع الأزمات أو إذا كانت ستغرق أكثر في هذا المستنقع.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال