يحيي المسلمون وخاصة الشيعة، ذكرى أربعين الامام الحسين (ع) يوم 20 صفر من كل عام، في أجواء يخيم عليها الحزن، وترفع فيها الرايات السود، وسط المجالس التي تروي السيرة التراجيدية لهذا الحدث المهم. ولطالما كانت مسيرة الأربعين من أهم القضايا لدى أتباع أهل البيت (ع)، وتوليها جميع الفئات، وخاصة علماء الشيعة، اهتماماً خاصاً.
وفي الوقت الراهن، حيث الأوضاع السياسية الحساسة في المنطقة، تعتبر مشاركة الملايين من الناس في هذا الحدث رداً حاسماً على مثيري الخلافات بين الإخوة والأخوات المسلمين وعاملاً مهماً للوحدة بين الشعبين الإيراني والعراقي دون أدنى شك.
قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي أشار إلى أهمية مسيرة الأربعين في العديد من المناسبات حيث أكد أن مسيرات الأربعين قوة للإسلام وليس للشيعة فقط وقوة للحقيقة وقوة لجبهة المقاومة الإسلامية؛ أن تنطلق هذه الحشود المليونية العظيمة هكذا نحو كربلاء ونحو الحسين ونحو القمة والذروة من الفخر والتضحية والشهادة ومن ينبغي على كل أحرار العالم أن يستلهموا منه الدروس.
اليوم أيضاً في هذا العالم المعقد المليء بالإعلام والدعاية والضجيج الذي يسود البشرية، تعد حركة الأربعين هذه هتافاً بليغاً مدوياً ووسيلة إعلام منقطعة النظير. لا يوجد مثل هذا الشيء في العالم: أن يسير ملايين الأفراد من البشر، وليس من مدينة واحدة أو بلد واحد بل من بلدان متعددة، وليس من فرقة إسلامية واحدة بل من شتى الفرق الإسلامية بل وحتى من أديان أخرى غير الدين الإسلامي أحياناً. هذه هي الوحدة الحسينية، أي إنكم قلتم قولاً صائباً: «الحسين يجمعنا».
هذا هو الواقع، فالحسين يخلق اجتماعاً عظيماً. هذه القلوب تسير آلاف الخطوات ويسير الكل ويمشون نحو ذلك المعدن وذلك الينبوع من المعنوية والتحرر فيعرضون ذلك على العالم المادي اليوم. ويجب أن يتعاظم هذا الشيء إن شاء الله يوماً بعد يوم ويتسع وينتشر أكثر، وطبعاً يتعمق ويزداد عمقاً. من حسن الحظ أن أعمالنا اليوم ومجالس عزائنا للإمام الحسين (عليه السلام) من حيث المعنوية ومن حيث سعة الأفكار ونشر المعارف الإسلامية أعمق مما كانت عليه قبل خمسين عاماً أو أربعين عاماً. وكذا الحال بالنسبة إلى قضية الأربعين، يجب أن تزداد عمقاً ومضموناً يوماً بعد يوم إن شاء الله. وعلى أصحاب الحكمة والعلم أن يفكروا في هذه المجالات ويسعوا سعيهم إن شاء الله.
من المؤكد لو لم تكن جذوة الحسين (ع) متقدة في النفوس والضمائر طيلة أيام السنة، لما اندفعت هذه الملايين من كل مكان، وسيراً على الاقدام لأداء هذه الزيارة. وإلا لنلاحظ المناسبات والذكريات التي تمر كل سنة، فهنالك متفاعل ومتضامن، وهنالك المتغافل والبعيد، بمعنى وجود خطين متوازيين في المجتمع، بينما في هذه المناسبة الحسينية، هنالك مسيرة هادرة، وليس فقط خط رفيع.
يعتبر تجمع الملايين من الزوار في زمان ومكان محددين هو من بركات الله التي تقوي مكانة المسلمين في العالم، وتقوي محور المقاومة في المنطقة. فوجود زوار من مختلف البلدان واللغات يدل على وحدة الناس الذين تحملوا مشقة هذا الطريق وانطلقوا في هذه الرحلة المعنوية بعشق وشغف.
وعندما نرى أتباع المذاهب والديانات الأخرى، بمن فيهم السنة والمسيحيون، بين جموع زوار الأربعين، يتبين لنا مرة أخرى أن الحسين (ع) ليس حكراً على الشيعة والمسلمين، بل الحسين (ع) هو إمام جميع العصور والقرون والناس الأحرار في العالم.
كما نرى أن مقولة (كلُّ أرضٍ كربلاء وكلُّ يومٍ عاشوراء) تتجلى بوضوح في مسيرة الأربعين، فهذه المسيرة الكبيرة أثبت أن كربلاء ورسالة عاشوراء مازالت حية ويمكن أن تكون مؤثرة في المعادلات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للدول الإسلامية لذلك يجب الحفاظ على هذا الرصيد الثمين بقوة.
ولهذه المراسم أبعاد وإمكانيات مختلفة فهناك البعد التربوي وما يحملة من أسس رصينة تنسجم مع المفاهيم التربوية الحديثة، إذ أن المشارك في المسيرة ، يلاحظ التغير النفسي والاستعداد للتغير، حيث نستشف من خلال ذلك أن الحسين(ع) أضحى مدرسة تربوية، تجسد مبادئ جده المصطفى (ص) في خلق أمة صالحة، تنشد السلام والسعادة في ربوع المعمورة.
والمحطات التربوية التي اُعدت من قبل المرجعيات، على أمتداد السير والتي تزخر ببرامج تعليمية تتعلق بالأحكام والعقائد وكذلك المفاهيم ألأخلاقية، أذ تعتبر بحد ذاتها مشروعاً توعوياً وتثقيفياً قل نظيرة في العالم الذي يعيش حالة الرتابة والروتين القاتل للشعوب وبأبعادها من التقرب الى الخطوط الحمراء التي رسمت لها، وهذا يتجسد في المسيرة الربانية التي شقت طريقها لكي تكسر الحواجز المصطنعة وتفرض واقعا موضوعيا، يتسم بالبقاء والديمومة .
وهناك البعد التعبوي حيث تجسد المسيرة المليونية حدثاً تأريخياً، شد أنظار الباحثين والمهتمين في مجال التعبئة والإعداد الشعبي، حيث تتمتعهذه المسيرة بأمتيازات خارجة عن المألوف. فمسيرة الأربعين أعدادها ذاتي وتنظيمها ذاتي، والتغطية المالية تتم من قبل الحشود الجماهيرية، واللافت في الأمر أنها ترفد مالياً من قبل الأوساط الفقيرة والمعدمة .
كما هناك البعد الأمني، لربما كانت أهم نقطة في مسيرة الأربعين خلال السنوات الأخيرة هي تمتع هذه المراسم بالأمن الاستثنائي. فالنقطة المهمة في أمن هذه المراسم هي طبيعته الشعبية، وإسناد معظم الأمور إلى الناس والمؤسسات الشعبية، وبالتالي، زيادة مشروعيتها ومقبوليتها. كما أن هذه القضية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالهدف الرئيسي لهذه المراسم، وهو إظهار تماسك العالم الشيعي ووحدته مع المسلمين الآخرين وخاصة التلاحم بين الشعبين الشقيقين الإيراني والعراقي.
وهناك بعد التأثير في المعادلات العالمية، حيث يعتبر هذا التجمع الكبير لأنصار الحسين (ع) مهم للغاية وله رسائل مهمة على المستوى الدولي، لأن المحللين السياسيين في العالم يدركون أنه عندما يمكن لمحبة أبي عبد الله (عليه السلام) أن تجمع مثل هذا الحشد، فإذا حدث شيء ما، سيجتمع نفس الحشد مرة أخرى، ويضرب المعادلات المادية.
ويشير المحللون إلى خطط الأعداء الذين يحاولون إثارة الخلافات بين الشعبين الإيراني والعراقي، ويؤكدون أن مسيرة الأربعين علامة على عمق الوحدة بين البلدين. حيث أن تواجد ملايين الإيرانيين في العراق واستضافة أبناء هذا البلد الصادقة لزوار الحسين هو علامة على روابط المحبة والصداقة بين الشعبين الإيراني والعراق، لذلك من الطبيعي أن يكون الأعداء مستاءون جداً من هذا التلاحم.
المصادر:
3-https://cutt.us/xpxjL
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال