بالتزامن مع التعنت الإسرائيلي في إحياء ذكرى استكمال سيطرة “إسرائيل” على مدينة القدس واحتلال الجزء الشرقي منها، وعلى وجه الخصوص البلدة القديمة، أو ما يعرف بـ ” مسيرة الأعلام الإسرائيليّة” وذلك خلال حرب يونيو/حزيران عام 1967، والتي ستجري اليوم الأحد، أعربت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عن استعدادها للتصدي لإقرار الحكومة الإسرائيلية مسيرة الأعلام الاستفزازيّة رغم التهديدات التي أطلقتها المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، باستهداف “إسرائيل” في حال اتخذ هذا القرار الخاطئ والذي أشعل حرباً لمدة 11 يوماً العام الفائت.
على الرغم من أنّ المؤسسة الأمنيّة التابعة للعدو أشارت في رسالة لحماس عن طريق المخابرات المصريّة مؤخراً، إلى أنّ الحكومة الإسرائيليّة ليست معنيةً بالتصعيد مع الحركة، كما أنّها ليست في وارد شنّ حملةٍ عسكريّةٍ ضدّ القطاع كردّ فعلٍ أوْ كمبادرةٍ منها، لكنها في الوقت عينه مستمرة في تعنتها بشأن إحياء مسيرة الأعلام الإسرائيليّة المستفزة، والتي ينوي منظموها المرور في الأحياء العربية للمدينة القديمة، حيث فشلت الجهود القانونية لحظر المسيرة التي يزعم مؤيدوها بأنه احتفال قانوني بلحظة استثنائية في التاريخ الاستعماريّ اليهوديّ وتهدد مواقف الجانبين باندلاع أعمال عنف في المدينة.
وفي الوقت الذي ستواجه فيه مدينة القدس تصعيداً إسرائيليّاً من خلال مسيرة الأعلام، أكّدت حماس أنّ “معركة سيف القدس يمكن أن تتكرر في أيّ لحظة، لكن بصورة مختلفة وعبر وسائل أكثر إيلاماً للكيان الإسرائيليّ طالما أن أسباب اندلاعها لا تزال قائمة حتى اليوم”، وقد حذرت الفصائل الفلسطينيّة في الأسابيع الماضية من انفجار الأوضاع والتأكيد على أنه لا يوجد وقف لإطلاق النار مع الكيان الصهيوني المحتل وأن المقاومة مستعدة لخوض الحرب للدفاع عن الفلسطينيين ومقدساتهم إذا اشتدت جرائم العصابات الصهيونيّة، ما يشي بانفجار مخيف للأوضاع، بعد أن فتحت تل أبيب أبواب جهنم على نفسها من خلال منهج تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام الذي بات ملموساً على كل المستويات، وإنّ قرار الاحتلال الصهيونيّ في الاحتفال بهذا اليوم جزء لا يتجزأ من ذلك، حيث إنّ المسيرة تعتبر بالنسبة للفلسطينيين استفزازاً صارخاً وانتهاكاً واضحاً لواحد من الأماكن القليلة في المدينة التي لا تزال تحتفظ بصبغة عربيّة واضحة في ظل الاحتلال الصهيونيّ، وتطوق أنشطة الاستيطان المخالف للقوانين الدوليّة المتزايدة في العاصمة الفلسطينية.
ونتيجة للسياسة الإسرائيلية المستفزة، من المحتل فإن الساحة الفلسطينية تعيش حالة خطيرة بسبب “مسيرة الأعلام” إذ يخطط المستوطنون المتطرفون لإحياء يوم “توحيد القدس” باقتحام كبير للمسجد الأقصى وبمسيرة أعلام إسرائيلية ضخمة يعوضون من خلالها إخفاق مسيرة العام المنصرم التي فرقتها صواريخ المقاومة القادمة من غزة، والتي يمكن أن تكون الفتيل في إشعال التوتر مجدداً على الأراضي الفلسطينيّة، وتقود إلى جولة أخرى من الحرب، قد تدهور الأوضاع بأكملها، وتُبعثر كل الأوراق السياسيّة والأمنيّة في “إسرائيل”، وخاصة أن فصائل المقاومة أبدت جهوزيتها الكاملة للمعركة، وأكدت أن “يدها على الزناد” للتصدي بكل حزم للممارسات الإسرائيلية في الأقصى”.
“يمكنهم تجنب الحرب والتصعيد إذا أوقفوا هذه المسيرة المجنونة”، هذا ما قاله باسم نعيم رئيس دائرة السياسة والعلاقات الخارجية في حركة حماس في قطاع غزة قبل أيام، وقد شدّدت “حماس” مراراً على أنّ مدينة القدس المقدسة ستظل تقاتل حتى تطرد المحتل الغريب، ولن تستسلم لواقع الاحتلال البغيض، وتؤكّد أنّ الشباب الثائر سيواصل نضاله المشروع حتى انتزاع حريته وتحرير أرضه واسترداد مقدساته، إضافة إلى أن إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، حذّر سلطات الاحتلال الإسرائيليّ من الإقدام على ارتكاب جرائم جديدة في المسجد الأقصى المبارك، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطيني والمقاومة لن يسمحا بذلك، وأضاف: “مرحلة ما بعد معركة سيف القدس تختلف كليًا عما قبلها”.
وبالنسبة للشعب الفلسطيني، فإن هذا اليوم يعتبر إهانة على كل المستويات من المحتل ومستوطنيه، نظرا لأن البلدة القديمة هي موطن المسجد الأقصى، ثالث أقدس موقع في الإسلام، وقد أوضحت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية في الأيام الماضية، أن الشعب الفلسطيني لن يسمح بكسر قواعد الاشتباك، والعودة لممارسات الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى، مضيفة إنّ الممارسات التي يقوم بها المستوطنون المتطرفون تحت حماية الجيش والأمن ستدفع المقاومة للوقوف بحزم وإصرار ضد هذه السلوكيات والمواقف التي تمس بمنجزات “معركة سيف القدس”، ولا يخفى على أحد أنّ حماس وجناحها العسكري “كتائب القسام” شكلا رأس الحربة في معركة الدفاع عن القدس وغزة وإذلال العدو الغاصب.
ومن الجدير بالذكر بأنّ حماس كانت جادة للغاية في تهديداتها لـ”إسرائيل”، وقد بيّنت أن صواريخ المقاومة التي فرضت حظر التجوال في تل أبيب قادرة على فرضه أيضًا في جميع الأراضي المحتلة في الداخل الإسرائيليّ، لأنّها تُدرك جليّاً أنّ سلطات العدو تنتهك الحرمات وتمنع أصحاب الأرض والمقدسات من ممارسة شعائرهم في عاصمة بلادهم وتحاول طردهم من ديارهم وترتكب بحقهم أبشع الجرائم، كما تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق حلم الصهاينة بأن تكون القدس عاصمة لمستوطنيهم وكيان احتلالهم فقط، ولجعل ذلك حُلماً مستحيل المنال، لا بد من ردع العصابات الصهيونيّة عن ممارساته العنصريّة والإجراميّة بحق الفلسطينيين وأرضهم، من خلال كل الوسائل، والتجربة أثبتت أنّ المجرمين لا يفهمون سوى لغة القوة.
ومن غير الواضح ما هو القرار النهائيّ الذي ستسير عليه تل أبيب اليوم، وخاصة عقب الهزيمة السياسيّة والعسكريّة التي لحقت بها في الفترة الماضية، بعد أن أمطرت صواريخ المقاومة الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، ووجهت صفعة قويّة للكيان ولقّنته دروساً جديدة في العسكرة والاقتصاد، فيما تكرر حماس دوماً أنّ ” مقاومة الشعب الفلسطينيّ ستظل مشرعة بكل الوسائل والأدوات ضد المحتل الصهيوني حتى تحقيق أهدافه المنشودة، وكنس الاحتلال عن مقدساته وكامل أراضيه”، وهي بالفعل جاهزة دوماً لصد أي مساعٍ إسرائيليّة لسلب وانتهاك حقوق أصحاب الأرض والمقدسات، وخاصة أنّ قوات العدو القاتل ماضية في حملتها الإجراميّة المنظمة لتهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطينيّ، ونهب أرضهم وممتلكاتهم ومنازلهم، إضافة إلى استماتة العدو لتغيير معالم المدينة المقدسة وتهويدها، بهدف بسط السيطرة الصهيونيةّ الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ.
في النهاية، من الضروريّ أن يتراجع رئيس الوزراء الصهيونيّ نفتالي بينيت عن قراره الذي تجاهل ما حدث في العام الماضي بشكل خطير، حيث نظم الآلاف من “المتطرفين” المسيرة التي يحملون خلالها الأعلام التي تمثل كيان الاحتلال الغاشم، واقتحموا منطقة باب العامود، أحد أبواب البلدة القديمة بالقدس، مرددين هتاف “الموت للعرب”، قبل أن يتوجهوا نحو “حائط البراق”، وقد ألغت شرطة الاحتلال الإسرائيلي مسيرة الأعلام حينها لأول مرة في القدس المحتلة، بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية صواريخ باتجاه القدس المحتلة تنفيذاً لوعدها في حال لم يتراجع الاحتلال عن قراره، وهي اليوم جادة أكثر من ما مضى، والكرة في ملعب “إسرائيل”.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال