أظهر تحليق طائرة مسيرة تابعة لحزب الله في لبنان، فوق الأراضي المحتلة لمدة 40 دقيقة، مدى القوى العسكرية التي وصل إليها هذه الحزب، كما فضح هشاشة القدرات الصهيونية المزعومة، حيث كانت هذه العملية الناجحة في سماء فلسطين المحتلة وفشل الصهاينة في المواجهة، ترجمة عملية للتصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والتي حملت رسائل ردع بالغة الأهمية.
تحول حزب الله في لبنان خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد حرب تموز عام 2006، إلى كابوس للصهاينة، كابوس لن يترك قادة تل أبيب والمحتلين للحظة بعد ما نشرته مسيرة صغيرة من الرعب في قلوبهم.
وفي أحدث مستجدات الردع أفادت وسائل إعلام عبرية، الخميس الماضي، عن دوي صفارات الإنذار مرتين في الجليل (شمال فلسطين المحتلة) ومرتفعات الجولان المحتلة. ومساء الخميس أكد الجيش الإسرائيلي رسمياً ما تداولته وسائل الاعلام، وأعلن دخول طائرة مسيرة إلى أراضي فلسطين المحتلة. وبعد ساعات، أقر الجيش الإسرائيلي في بيان ثان بفشله، مُعلناً أنه رغم استخدام جميع وسائل الاعتراض، لكنه لم يتمكن من اعتراض تسلل طائرة مسيرة (إلى الأراضي المحتلة) وأن الطائرة المسيرة عادت سالمة إلى مكان انطلاقها في لبنان.
وبعد أكثر من 24 ساعة من العملية بقيت القيادة السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني تحت وطأة الصدمة التي أحدثها هذا الخرق الكبير لشبكة الأمان الجوي للكيان الصهيوني وعكست وسائل الاعلام الاسرائيلية خيبة امل واضحة تجاه نجاح المسيرة التابعة لحزب الله في التفوق على صواريخ القبة الحديدية والطيران الحربي والمروحي الذي لم يتمكن من فعل أي شيء ولم يحل دون وصول الطائرة المسيرة الى صفد والعودة سالمة الى لبنان بعد اتمام مهمتها.
وعقب فشل الجيش الإسرائيلي في اعتراض هذه الطائرة المسيرة، أصدرت المقاومة الاسلامية بياناً حول إرسالها الطائرة المسيرة “حسان” في مهمة استطلاعية فوق فلسطين المحتلة.
وقالت في بيان، بتاريخ اليوم الجمعة الواقع فيه 18-2-2022 أطلقت المقاومة الإسلامية الطائرة المسيرة “حسّان” داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وجالت في المنطقة المستهدفة لمدة أربعين دقيقة في مهمة إستطلاعيّة أمتدّت على طول سبعين كيلومتراً شمال فلسطين المحتلة، وبالرغم من كل محاولات العدو المتعددة والمتتالية لإسقاطها عادت الطائرة “حسان” من الأراضي المحتلة سالمة بعد أن نفذت المهمة المطلوبة بنجاح ودون أن تؤثر على حركتها كل إجراءات العدو الموجودة والمتبعة. (1)
استمرت الأوساط الإسرائيلية ولليوم الثاني على التوالي بالحديث عن الطائرة المسيرة حسان والخرق الكبير الذي قامت به للدفاعات الجوية الاسرائيلية وحظيت باهتمام وسائل الاعلام العبرية التي لم تخف صدمة المسؤولين الاسرائيليين والإرباك الذي حصل في قيادة الجيش الإسرائيلي. حيث بقي نجاح الطائرة المسيرة حسان في تنفيذ مهمة كاملة المواصفات في عمق 70 كيلومترا داخل اجواء فلسطين المحتلة وكسر مقولة الدفاعات الجوية والقبة الحديدية الاسرائيلية، العنوان الأبرز كرسالة قوية وجهها حزب الله بعد ساعات من خطاب أمينه العام السيد حسن نصرالله للكيان الاسرائيلي.
بعد إتمام جولة المسيّرة “حسّان” تحدَّث الإعلام الإسرائيلي عن فشل كبير لعمل “القبة الحديدية”. وكتب معلّق الشؤون العسكرية في “القناة الـ 13″، أور هيلر، أنه “فشل آخر كبير لمنظومة القبة الحديدية في الشمال، ويطرح كثيراً من الأسئلة الصعبة”.
من جتها قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إنّ اختراق المسيّرة “حسّان” الأجواءَ الإسرائيلية، أمس الجمعة، “أثار ذعراً في الشمال، بعد أن هرعت نحوها طائرات ومروحيات حربية للجيش الإسرائيلي، وفُعّلت القبة الحديدية، وسُمعت صفّارتا إنذار في المنطقة”.
وكشفت صحيفة “كالكاليست” الإسرائيلية، فشلاً إسرائيلياً واضحاً أمام الطائرة المسيّرة “حسان”، وذكرت الصحيفة أنّ “طائرات “أف 16″ وطائرات هليكوبتر أباتشي، بالإضافة إلى صواريخ اعتراضية من المنظومة الدفاعية، القبة الحديدية، كلها لم تنجح في اعتراض المسيّرة حسّان”.
وأكدت الصحيفة أنّ “إسرائيل سجّلت فشلاً أمنياً واقتصادياً في آنٍ واحد”، مناديةً بشراء “وسائل اعتراض مُتاحة ورخيصة، وخصوصاً أن تكلفة الطائرات المقاتلة والمروحيات الإسرائيلية مرتفعة جداً”.
وأوضحت الصحيفة أنّ “رحلة الساعة الواحدة للطائرة المقاتلة F-16، في سلاح الجو الأميركي، تبلغ نحو 22000 دولار”، بينما “تبلغ تكلفة رحلة مروحية هليكوبتر أباتشي في الجيش الأميركي، نحو 4000 دولار”. وتبلغ تكلفة كل صاروخ دفاعي من المنظومة الدفاعية، “القبة الحديدية”، نحو 50000 دولار، وفق الصحيفة.(2)
يواجه المسؤولون الصهاينة، الذين كانوا حتى سنوات قليلة يحلمون بفكرة ” من النيل إلى الفرات”، يواجهون اليوم تحدياً كبيراً يسمى قوة “حزب الله” في شمال فلسطين المحتلة. قوة جعلت الصهاينة محاصرين داخل الاراضي المحتلة. اذ تحولت انتصارات حزب الله خلال السنوات القليلة الماضية على مختلف الجبهات لا سيما ضد الكيان الصهيوني وتعزيز قوته العسكرية والصاروخية والطائرات المسيرة، إلى كابوس يؤرق قادة الكيان الصهيوني.
تمكن حزب الله خلال العقدين الماضيين، خاصة بعد حرب تموز، أن يحقق نجاحاً كبيراً في مجال الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، إضافة إلى قوته القتالية التي وصل عددها إلى أكثر من 100 ألف مقاتل، الأمر الذي أرق مسؤولي الكيان الصهيوني لدرجة أن الأوساط الأمنية والعسكرية في الكيان عبرت عن قلقها الكبير من تقدم حزب الله في مجال الصواريخ والطائرات المسيرات.
حيث أعربت أوساط أمنية رفيعة المستوى في تل أبيب، في الأيام والأشهر الأخيرة، عن قلقها البالغ إزاء التغيير الكبير الذي حدث في توازن الردع بين الحزب والكيان الصهيوني إثر التقدم الملحوظ لحزب الله في مجال الطائرات المسيرات. وأكدت أن طائرات حزب الله المسيرة ستكون من أهم الأسلحة في الحرب المقبلة، ومن المحتمل أن تتفجر الأوضاع بين الحركة وإسرائيل.
كما أورد موقع “واي نت” التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت أن الطبقة الأمنية العسكرية الإسرائيلية ترجح أن مسيّرات حزب الله تشكل تحديا خطيرا، حيث إنها صغيرة الحجم ورخيصة الثمن وقادرة على زراعة الدمار. وأشار الموقع إلى أنّ المنظومة الأمنية العسكرية تخشى من أن تتعرض إسرائيل لهجوم بأسراب من المسيرات الصغيرة.
يبدو أن حزب الله بدأ التفوق في معركة توازن الردع مع الكيان الصهيوني فعلى الرغم من أن طائرة “حسان” صغيرة، وذات مهمّات استطلاعية، فإنه تم تصنيعها بعقول مهندسي حزب الله وأياديهم، وفي الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يفتح المجال أمام تطوير صناعة المسيّرات لدى حزب الله، كما حدث سابقاً في تطوير صناعة الصواريخ، وصولاً إلى قدرة حزب الله على تصنيع الصواريخ الدقيقة. وهنا تبرز معضلة “إسرائيل” في أنها، حتى لو استطاعت تدمير المنشآت والمقدِّرات المادية لمشروع الطائرات المسيَّرة، إلاّ أنها لن تتمكن من منع امتلاك عقول حزب الله تلك التقنية. كما يعتبر امتلاك حزب الله منظومة صواريخ مضادة للطائرات، وتصنيعه للطائرات المسيرة، عبارة عن تدشين مرحلة المقاومة الجوية، التي إن استمر حزب الله في تطويرها فمن المؤكد أنها ستهدد سياسة السماء المفتوحة لسلاح جو الاحتلال الإسرائيلي.(3)
كما أن الأمر المهم الذي أقلق الصهاينة خلال هذه الأيام، هو أن المعلومات التي ستجمعها مسيرات حزب الله ستترجم من قبل صواريخ الحزب، والتي يزيد عددها عدة مرات عن عدد مقاتليه وكثير منها دقيق، فإذا أخطأ الصهاينة فسوف تدمر المراكز الاستراتيجية للكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، مما يقوده نحو الانهيار الأبدي. وإذا نظرنا إلى هذه الخطوة الأخيرة لحزب الله بشكل منطقي، فسنجدها تؤكد للصهاينة جدية هذا الكابوس والذي ينبغي لهم اتخاذه على محمل الجد والانتباه على تحركاتهم في المنطقة.
جواد عيسى/ المصادر:
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال