مغامرة إلهام علييف بتعميق العلاقات بين باكو وتل أبيب
في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين النظام الصهيوني وجمهورية أذربيجان نموا وتوسعا. ورغم أنه بدا في البداية أن هذه العلاقات كانت تتمحور أكثر حول شراء المعدات العسكرية والدعم اللوجستي لهذا النظام من جمهورية أذربيجان وفي المقابل يتم تعويضه بتوفير النفط الذي يحتاجه النظام الصهيوني، لكن لاحقاً مع مرور الوقت، واستغلال الإمكانات الفعالة واللازمة من المرافق والأراضي ورأس المال الأذربيجاني من أجل تحقيق أهداف الكيان الإسرائيلي، ظهر أن هذه العلاقات ليست فقط في المجالات العسكرية واللوجستية و الاقتصادية، بل لها تأثير ونفوذ لا يمكن إنكاره؛ وكما نرى اليوم فإن جمهورية أذربيجان قدمت ما يقارب 40% من النفط الذي يحتاجه هذا النظام وحتى بحسب الوثائق المنشورة في ويكيليكس فإن رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف عزز علاقة بلاده بالنظام الصهيوني وهي علاقة تشبه جبل جليدي لا يظهر منه إلا عُشره، وتوضح هذه القضية العلاقة الواسعة والعميقة بين هذا النظام وحاكم أذربيجان الدكتاتوري الذي لا يحظى بشعبية، وتظهر عمق تأثير هذا النظام ونفوذه في مختلف طبقات حكومة إلهام علي.
بداية لا بد من الإشارة إلى أن إسرائيل، وفق سياستها القديمة والتقليدية المبنية على عقيدة بن جورين، تحاول تعزيز علاقاتها مع الدول الإسلامية غير العربية، بما فيها أذربيجان، من أجل كسب ورقة رابحة ضد إيران بالتواجد إلى جوارها لتستفيد في الوقت نفسه أيضاً من الفوائد الاقتصادية لهذه السياسة.
ومن ناحية أخرى، يمكن تسميته الهدف الأول والرئيسي لجمهورية أذربيجان في تطوير العلاقات مع شريكها المكروه في سعي هذا البلد لجذب اللوبيات اليهودية حول العالم، وخاصة في أمريكا وأوروبا من أجل تقييد اللوبيات الأرمنية والحصول على صورة دولية في الغرب. على الرغم من أن توفير الأسلحة وشراء المعدات العسكرية واللوجستية والاستثمارات النفطية لجمهورية أذربيجان، في السنوات الأخيرة، استمر في جميع أنحاء العالم من الصين وروسيا إلى أمريكا الشمالية والجنوبية، إلا أنه من الناحية العملية، فإن معظم المشتريات تم صنعها من تل أبيب.
وفي هذا الصدد كتبت صحيفة "هآرتس" الصهيونية أن النظام الصهيوني وجمهورية أذربيجان على اتصال مع بعضهما البعض على شكل تحالف استراتيجي منذ أكثر من عشرين عاما، وقد زودت تل أبيب باكو بكمية كبيرة من الأسلحة، والآن يجب أن نتذكر أنه على الرغم من افتتاح السفارة الصهيونية في باكو عام 1993، وحتى العام الماضي فإن جمهورية أذربيجان كانت ترفض دائما مقترحات تل أبيب بإرسال سفيرها الدائم وتحاول الحصول على قبول وموافقة الدول الإسلامية، وخاصة إيران حيث تحاول تبرير علاقاتها مع تل أبيب.
وكانت هذه القضية واضحة للغاية لدرجة أن أحد مراكز الأبحاث الصهيونية زعم أنه يجب على باكو أن توازن علاقاتها مع إسرائيل بعناية حتى لا تتعرض لضغوط شديدة من طهران وموسكو وحتى أنقرة. لكن أخيرًا، في عام 2022، وافق برلمان أذربيجان على مشروع قانون لفتح سفارة في تل أبيب وتبادل السفراء، متخذًا قرارًا تاريخيًا لأنه أخيرًا، مع افتتاح سفارة بلادها في إسرائيل، أوضحت أذربيجان أن نية باكو من هذا العمل هي فقط تربية الجواسيس وإرسال المرتزقة إلى باكو ونشر وتنفيذ خطط مدمرة للسلام والاستقرار في المنطقة.
وعلى سبيل المثال، يرى العديد من المحللين السياسيين أن العلامة الأولى لتوسع العلاقات بين باكو وتل أبيب هو الدور الكبير للصهاينة في خلق توترات طويلة الأمد بين طهران وباكو، ولا يمكن تجاهل هذا الدور بأي شكل من الأشكال. لأن تل أبيب جعلت من باكو ساحة تجسس لها ضد إيران وشعبها. وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير مفصل أن "الطائرات الإسرائيلية بدون طيار استخدمت قواعد في جمهورية أذربيجان للتجسس على المواقع النووية الإيرانية".
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن التعاون الثنائي بين جمهورية أذربيجان والكيان الصهيوني في المجالين الاقتصادي والعسكري أدى إلى الارتقاء بالعلاقات بين هذين النظامين إلى مستوى استراتيجي. وفي الواقع يمكن الاعتراف بأن جمهورية أذربيجان تعتبر العلاقة الوثيقة مع إسرائيل بمثابة بوابة للعلاقة مع الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، حتى تتمكن من حل العديد من اهتماماتها العسكرية والسياسية واستخدام هذه العلاقة للعب دورًا ضد لوبيات الأرمنية. وتحاول إسرائيل، من خلال اقترابها من أذربيجان ونفوذها في هذا البلد، القضاء على التهديدات الأمنية الناجمة عن الوجود القوي لجمهورية إيران الإسلامية بالقرب من حدودها، ومن أجل مواجهة إيران تريد نشر قواعد على حدود البلدين بين أذربيجان وإيران لزيادة الحضور والمواجهة القريبة مع إيران. بمعنى آخر، يمكن القول إن تل أبيب استهدفت باكو كمركز مهم لأهدافها ضد إيران. ومع ذلك، وبالنظر إلى الهجوم العظيم الذي شنته جمهورية إيران الإسلامية في 13 نيسان/أبريل ضد منشآت عسكرية واستخباراتية في الأراضي المحتلة للنظام الصهيوني، فمن الممكن التنبؤ بدرجة عالية من الثقة في حالة حدوث أدنى خطأ ضد النظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومصالحه من قبل أي لاعب ضمن الجغرافيا الواسعة للمنطقة سيكون له ثمن باهظ للغاية، كما يخشى المحللون السياسيون في باكو، إذا اشتد الصراع بين إيران والكيان الصهيوني وازدادت أبعاده، فقد تكون جمهورية أذربيجان جزء من مغامرة إلهام علييف والمتمثلة في تعميق العلاقات بين باكو وتل أبيب وستؤدي إلى هزيمة أبدية لها.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال