منذ شهر تقريباً وبعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جمهورية أذربيجان، دعم المسؤولون الروس افتتاح ممر زنغزور الذي يربط أذربيجان بنخجوان، وأكدوا على أنه يجب أن يتم ذلك بسرعة.[1] هذه المواقف التي تبدو مخالفة للمصالح المشتركة لإيران وروسيا واجهت اعتراضًا من قبل إيران، التي تؤكد دائمًا على عدم تغيير الحدود الجغرافية. لكن التساؤل حول ما إذا كانت روسيا تسعى لتغيير المعادلات الجيوسياسية في المنطقة وزيادة نفوذها أو أنها تفكر فقط في المصالح الاقتصادية، وهذا الأمر نقطة مهمة يجب أخذه بعين الاعتبار. بالإضافة إلى ذلك يجب التأكيد على أن افتتاح هذا الممر قد يزيد من نفوذ تركيا في منطقة القوقاز مما سيؤثر على المجال التقليدي لنفوذ روسيا.
هل إيران تعارض؟
لطالما دعمت إيران من حيث أنها أحد اللاعبين الإقليميين في المنطقة الاستقرار والسلام على حدودها الشمالية. حيث تركزت مواقف إيران على ضرورة الحفاظ على الطرق الحدودية ومنع تصاعد التوترات فيها، بالإضافة إلى ذلك كانت دائما ترحب بتفعيل طرق النقل المهمة بشكل إيجابي.
يمتد ممر النقل زنغزور إلى سيونك في أرمينيا وهو مسار أرضي يربط أذربيجان بنخجوان عبر أرمينيا. النقاش حول هذا المسار يتعلق بموقف الدول الإقليمية تجاه برامج أذربيجان بشأن هذا افهل هو مسار تجاري أم تأسيس حدود جديدة؟ في الواقع تؤيد إيران اعتبار هذا المسار مسارًا تجاريًا على غرار ممر الشمال-الجنوب وتعتبره مفيدًا للمنطقة واقتصادها. لكنها ترى أن تصوره كحدود سياسية وارتباطه بجمهورية أذربيجان يعد خطًا أحمر وتعارض ذلك بشدة.
من جهة أخرى، ترى تركيا وأذربيجان أن الخطوة الأولى نحو تشكيل مسار تجاري هي تحوله في النهاية إلى حدود سياسية خاصةً وأن أرمينيا في موقف ضعيف، ويمكن أن تحقق أذربيجان هذا الأمر بدعم من تركيا وروسيا.[2] بالنظر إلى الوضع يبدو أن التعاون بين روسيا وأذربيجان وتركيا سيكون أكثر فائدة لروسيا، نظرًا لرغبة أرمينيا في الاتجاه نحو الغرب بدلاً من الدخول في تحدٍ مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة. علاوة على ذلك لن تؤثر تغييرات الحدود كثيرًا على مصالح روسيا على المدى الطويل في المنطقة.[3]
لماذا يُعتبر ممر زنغزور مهمًا؟
يعتبر ممر زنغزور طريق رئيسي مهم من طرق النقلّ في شمال إيران. ويمكن أن يُصبح هذا الممر باتجاه الصين - أوروبا، وكذلك نحو روسيا وتركيا ثم إلى أوروبا. إذا أُعطي هذا الممر بالكامل لجمهورية أذربيجان، سيتحقق التواصل بين تركيا والعالم التركي في آسيا الوسطى. هذه المسألة يمكن أن تؤدي أيضًا إلى تجاوز إيران عبر هذا المسار النقلّي وتقليل القوة السياسية الفاعلة لإيران في المنطقة.
من جهة أخرى ستتمكن روسيا من ممارسة مزيد من التحركات في التفاعلات الإقليمية وستتجاوز إيران كواحدة من اللاعبين الرئيسيين في المنطقة. في الواقع يعتبر تغيير الحدود شمال إيران بمثابة تجاوز إيران من عدة جوانب. أولاً لن تكون إيران بعد الآن مسارًا للنقل مهمًا في المنطقة وستنخفض عائداتها. فضلاً عن ذلك ستخسر إيران اللعبة أمام روسيا، ولكنها ستضحي بالمصالح القصيرة الأجل من أجل المصالح الطويلة الأمد. وهو أمر عملت روسيا عكسه بشكل كامل .
لذا، فإن الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لهذا الممر مهمة جدًا بالنسبة لإيران، ويجب أن تتحول إلى لاعب نشط لتأمين مصالحها في هذه اللعبة التي شكلتها تركيا وروسيا وأذربيجان. يمكن لإيران استخدام أدواتها السياسية للضغط على روسيا وتركيا لمنع توقيع اتفاقية هذا الممر. بالإضافة إلى ذلك يجب على إيران تعزيز بنيتها التحتية النقلية والتركيز على المزيد من التعاون مع شركائها الاقتصاديين لتسوية حجج تلك الدول حول بطء أو تكلفة المسار الإيراني.
إذا استمرت إيران في لعب دور سلبي في النزاعات الإقليمية في القوقاز فمن المحتمل أن تنضم الصين أيضًا إلى هذه الدول، مما سيزيد الضغوط على إيران. لذلك يجب على إيران بذل جهد في توسيع خيارات التعاون مع الدول الغربية أو دول جنوب شرق آسيا، إلى جانب تعزيز التعاون السياسي وتحسين شبكة بنيتها التحتية، لتستطيع إرسال رسالة قوية للاعبين في القوقاز تفيد بأن إيران تُتابع التطورات بشكل مستمر، وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكون واضحاً لروسيا أن هذا التعاون مع تركيا وجمهورية أذربيجان يمكن أن تكون تكاليفه أكثر من فوائده، ولا ينبغي لروسيا أن تشعر بأن إيران قد وقعت شيكاً على بياض للتعاون بدون مقابل...!
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال