تغيرت التجارة البحرية مع ظهور التقنيات الجديدة في القرون الأخيرة ، وبرز التعاون العابر للحدود كركيزة رئيسية للتفاعلات التجارية المستدامة في أوروبا وإفريقيا وآسيا. لذلك، اعتبرت الدول والشعوب الحديثة ذات السيادة القيمة الاقتصادية “للطرق القديمة” أو “الممرات الاقتصادية الحديثة” مهمة للحصول على مكاسب اقتصادية لنفسها. فالممرات الاقتصادية مثل ممر “سي بك” الاقتصادي الحديث رغم ظاهرها الحديث، إلا أنها في الأساس اتفاقيات تجارية ومعاهدات وعادات ثقافية اجتماعية تنظم العلاقات التجارية والمؤسسات الاقتصادية وحركة السلع والخدمات على المستوى الإقليمي.
وهنا يمكن القول بثقة أن أقدم ممر اقتصادي في العالم هو “طريق الحرير” ، الذي أقام أواصر اقتصادية وتجارية بين الصين والشرق الأوسط المعاصر. كانت الفكرة الأساسية وراء الممرات الاقتصادية هي الرغبة البشرية في تعزيز التعاون الاقتصادي وضمان التفاعلات التجارية العابرة للحدود . لذلك، فإن مبادرة مشروع طريق الحرير، كمشروع اقتصادي ضخم، لا تقوم فقط على تقليد طريق الحرير القديم، بل أنها بدأت أيضاً عمليات متعددة الأطراف من النشاط الهادف لتعزيز النمو الاقتصادي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
لذلك إن أحد العناصر الرئيسية لهذه المبادرة هو الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC ، والذي يعمل كنقطة ربط بين الصين وجنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط. تم الاعتراف بهذا الممر رسمياً في عام 2015 أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى باكستان، حيث صمم هذا الممر الاقتصادي الثنائي بهدف ربط ميناء غوادر (غرب باكستان) بكاشغر (غرب الصين) من خلال شبكة من الطرق والسكك الحديدية والاتصالات المخطط لها.
ولتعزيز هذا الممر، تم خلال السنوات الأربع الماضية تنفيذ حوالي 40 مشروعا بقيمة 18 مليار دولار في باكستان، مما أدى إلى تغيير الوضع الاقتصادي لهذا البلد إلى جانب المشاكل المالية وسنوات طويلة من الركود التضخمي. بالإضافة إلى ذلك، وتماشيا مع تطور الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، وصلت العلاقات التجارية بين البلدين إلى 17 مليار دولار في 2018-2019 بنمو غير عادي . حتى أنه يقدر أن 29 ألف باكستاني عملوا في مختلف مشاريع هذين البلدين في السنوات الأربع الماضية، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد من العمال في المرحلة الثانية من تنفيذ هذا الممر، والذي يرتبط بتنمية المناطق الاقتصادية الخاصة.
عندما زار رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف بكين في نوفمبر 2014 وقدم إطارا مؤسسيا للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، كانت هناك أربعة افتراضات رئيسية: أولاً، سيجذب الممر استثمارات بمليارات الدولارات في كل باكستان ، بما في ذلك في المناطق الباكستانية النائية.
سيؤدي بناء الطرق والجسور والسكك الحديدية ووسائل الاتصال الحديثة من منطقة شينجيانغ الصينية إلى ميناء جوادر الواقع على ساحل مكران الباكستاني إلى “قفزة كبيرة إلى الأمام” في خلق فرص عمل في البلدين الكبيريين. بالاضافة إلى ذلك، من وجهة النظر التاريخية، تسمى العلاقات بين الصين وباكستان أعلى من الجبال، وأعمق من المحيطات وموثوقة.
ثانياً، يربط هذا الممر بشكل استراتيجي البلدين بعد التحول الى مصدر لنقل ملايين الأطنان من البضائع من الصين إلى الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا عبر ميناء جوادر. وسيساعد إنشاء خطوط أنابيب النفط والغاز عبر هذا الممر على تلبية احتياجات الصين من الطاقة. وستكون مثل هذه الأنشطة مثمرة استراتيجيا واقتصاديا للصين، حيث ستقلص مسافة ووقت إرسال بضائعها إلى الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا.
ثالثاً، سيكون هذا الممر بمثابة مصدر اتصال بين شرق وجنوب آسيا وكذلك الخليج الفارسي والشرق الأوسط. اذ يمكن بطول حوالي 3 آلاف كيلومتر من كاشغر إلى جوادر وباستثمار قدره 46 مليار دولار من الصين، توقع حدوث استدارة في المناطق النائية والأقل تطوراً في باكستان والصين.
رابعاً، سيعمل هذا المشروع الكبير على تقوية الصداقة الموثوقة والمجربة بين الصين وباكستان. لطالما ساعدت الصين باكستان في تطوير البنية التحتية، وأهم مساهمة لبكين في التنمية هي بناء طريق قراقروم السريع، والذي يُطلق عليه اسم الأعجوبة الثامنة في الدنيا. ستتفوق الصين قريباً على الولايات المتحدة باعتبارها القوة الاقتصادية الأولى في العالم، ويظهر نهج بكين في الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لباكستان مدى جدية القيادة الصينية في تعزيز الترابط الإقليمي.
وشرح وزير التخطيط والتنمية الباكستاني أحسن إقبال، خلال كلمة أمام الوفد والمشاركين في ورشة عمل جامعة الدفاع الوطني تحت عنوان “التنسيق والتكامل الوطني” في 12 مايو 2015 بقاعة لجنة التخطيط في إسلام أباد، الميزات والمواصفات لـ “سي بك”:
وفي كلمته، قال السيد إقبال إن “مشروع سي بك سيعود بالنفع على جميع ولايات باكستان بما في ذلك جيلجيت بالتستان. هذه فرصة حيوية للتنمية والتقدم والازدهار لباكستان ولا ينبغي تفويتها بأي ثمن “.
الهدف من الممر الاقتصادي هو تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية من خلال الربط. فمن الناحية المفاهيمية، يرتبط الممر الاستراتيجي بالخصائص التالية:
في أغسطس 2021، خلق استيلاء طالبان على أفغانستان تحديات وفرصا لدول المنطقة، وخاصة الصين وباكستان. وأعربت عن قلقها بشأن مستقبل الوضع الأمني في أفغانستان وانتشاره إلى المناطق المجاورة في كلا البلدين.
بعد الانسحاب غير المسؤول والصاخب للقوات الأجنبية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، استولى هذا البلد على أصول ضخمة لأفغانستان بقيمة 7 مليارات دولار ، مما عرّض البلاد لمزيد من التضخم والجوع والبطالة وهجرة الأدمغة.
في هذا الجزء، تُطرح أسئلة حول كيفية تعامل الصين وباكستان مع التحديات المتوقعة التي تسببها أفغانستان؟ هل سيصبح توسيع سي بك في أفغانستان مبشر بالازدهار والربط للصين وباكستان والمنطقة؟
وكما ذكر ، “كل تحد يخلق تكافؤ الفرص”. على الرغم من أن الولايات المتحدة تركت أفغانستان في المشاكل، إلا أن هناك فرصا لا حصر لها للصين وباكستان في الدولة التي مزقتها الحرب.
بعد انسحاب الولايات المتحدة، شاركت بكين بنشاط في المساعدات الإنسانية في أفغانستان وأرسلت مساعدات بقيمة 200 مليون يوان، بما في ذلك لقاحات كورونا والمواد الغذائية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الصينيين مهتمون بتوسيع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) إلى أفغانستان بدعم من باكستان. في الوقت الحالي، يدرك كلا البلدين تماما حقيقة أن توسيع الممر الاقتصادي سي بك إلى أفغانستان سيكون مفيًا في تعزيز الرخاء الاقتصادي في هذا البلد والترابط الإقليمي في جنوب آسيا.
رغبة الصين في توسيع ممر سي بك إلى أفغانستان
ناقش الممثل الصيني الخاص لشؤون أفغانستان يو شياووانغ ووزير الخارجية سهيل محمود، في وزارة الخارجية في إسلام أباد، توسيع سي بك في أفغانستان.
كما قال المتحدث باسم طالبان الأفغانية ذبيح الله مجاهد بصراحة إن “الصين هي أهم شريك لنا وهي فرصة أساسية وغير عادية لنا لأنها مستعدة للاستثمار وإعادة بناء بلدنا”. على ما يبدو ، أدى الانسحاب السريع للولايات المتحدة إلى خلق فراغ ستملأه الصين بالتأكيد. ولا تدخر بكين جهدا وبدعم من باكستان لإيجاد أفغانستان مستقرة ، وهو أمر ضروري لمصالح المنطقة بأسرها.
هاجمت معظم القوى العظمى أفغانستان من أجل مصالحها الأمنية، ثم غادرت أفغانستان الممزقة بعد تحقيق مصالحها. وعلى عكس القوى الإقليمية العظمى والقوى العظمى السابقة، تتجنب الصين التدخل السياسي والعسكري وتدعم مسار رابح _ رابح للجانبين من خلال المواءمة الاقتصادية والربط الإقليمي مع العالم الخارجي. على سبيل المثال ، تهتم بكين بالاستثمار طويل الامد في دول المنطقة بما في ذلك باكستان وإيران وآسيا الوسطى.
لدى الصين برنامج سي بك المحدد الخاص بها في باكستان، بينما تخطط لاستثمار 400 مليار دولار في إيران بالإضافة إلى 250 مليار دولار في آسيا الوسطى. تلتزم بكين بربط أفغانستان بكل دولة في المنطقة في ظل الموقع الجغرافي الرئيسي لأفغانستان.
ياو جينغ الذي كان سفيرا للصين سابقاً في أفغانستان في عام 2016، صرح أنه “بدون ربط أفغانستان، لا توجد مسار لربط الصين ببقية العالم”. من غير المرجح أن يتم رفض مشاركة الصين في الموارد الطبيعية لأفغانستان.
من جهة أخرى، ترغب حكومة طالبان تحسين العلاقات مع الصين وروسيا وإيران. هذه البلدان الثلاثة، بما في ذلك باكستان، لاعبين إقليميين حيويين من المرجح أن يمهدوا الطريق لتكتل إقليمي في المنطقة.
طالبان ترغب بتحسين العلاقات مع الصين
وقعت كابول مذكرة تفاهم مع الصين في عام 2016. اتفقت بكين وكابول على العديد من مشاريع الحزام والطريق. سيؤدي توسع سي بك إلى أفغانستان إلى زيادة الفوائد السياسية والاقتصادية لكابول ، وسيؤدي ادخال أفغانستان في الممر إلى زيادة الربط الإقليمي لأن أفغانستان لا تزال بوابة إلى بلدان آسيا الوسطى وممر غرب آسيا.
وبالتالي، تمتلك أفغانستان إمكانات كبيرة لخدمة مصالح الصين. في هذا الصدد ، فإن خبرة الصين في إطار مشروع سي بك، والذي قد يغير مصير أفغانستان. لطالما كانت أفغانستان بصرف النظر عن موقعها الجغرافي جذابة للجهات الفاعلة العالمية والإقليمية بسبب مواردها الطبيعية.
لذلك، فإن ادخال كابول في مشروع سي بك في النظام الجمهوري يمكن أن يكون مبشرا بالازدهار والتطور لشعب أفغانستان، ولكن ذهبت هذه الأمنية أدراج الرياح بعد سقوط الجمهورية وإنشاء نظام طالباني جديد ضعيف.
بناءً على المعلومات التي ذكرت، تخطط الصين وباكستان لربط أفغانستان بهذا المشروع الذي تبلغ تكلفته مليار دولار. ومع ذلك، فإن مشاركة أفغانستان في هذا المشروع ستؤدي إلى عزل طالبان تماما عن المجتمع الدولي.
تعتبر باكستان هذا الاقتراح بمثابة دعم لربط أفغانستان بمنطقة جنوب آسيا وآسيا الوسطى من أجل زيادة الصادرات في وقت تواجه فيه البلاد مشاكل العملة الأجنبية.
وأفادت شبكة افغان دیاسپورا التحليلية أن الخطة الرئيسية لإسلام أباد هي إعلان هيمنتها الاقتصادية على كابول بالتعاون مع الصين واستغلال الموارد الطبيعية الثمينة للبلاد. كما أثار تنفيذ مشروع سي بك انتقادات بأن المشروع سيثقل كاهل باكستان بجبال من الديون ويسمح للصين باستخدام “دبلوماسية فخ الديون” للوصول إلى الأصول الاستراتيجية.
كما قالت شبكة افغان دیاسپورا التحليلية أن نظرة فاحصة على سي بك تظهر أن المخاوف بشأن القدرة على استمرار الديون وضعف النمو الاقتصادي وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي العام في باكستان صحيحة.
يمكن أن يكون للوقوع في فخ الصين أو باكستان عواقب بعيدة المدى على أفغانستان. فالصين ليس في سجلها إنقاذ أي اقتصاد من الأزمة، في حين أن باكستان تفتقر إلى القدرة على المساعدة. لقد أدى تفاعل الصين مع باكستان إلى دخول هذا البلد في أزمة مثلما تظهر التجربة مع سريلانكا.
كما يجب أيضاً أن نحاول تجنب عروض الصين المغرية وإيجاد حلول معقولة لمشاكلنا الاقتصادية والسياسية. فمن الممكن من خلال الانضمام إلى “سي بك” زيادة العزلة في المجتمع الدولي.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال