إن زيادة مستوى التوترات في المنطقة بعد السابع من أكتوبر قد أسفرت عن فتح مجال جديد من الصراعات بين إيران ونظام الاحتلال الإسرائيلي. وقد تطورت هذه التوترات إلى مستوى المواجهة المباشرة والردود المدروسة من كلا الجانبين. ويمكن أن تتحول هذه التوترات، إذا لم تدار بشكل صحيح، إلى حرب إقليمية كبيرة ومدمرة، ستبقى آثارها قائمة لعقود في المنطقة.
الولايات المتحدة هي الجاني الأكبر
لطالما اعتبرت الحكومة الأمريكية نفسها الداعم الأول لنظام الاحتلال الإسرائيلي في جميع المجالات. يأتي هذا الدعم دون مراعاة لأي مبادئ ودون الالتزام بأي من أطر النظام الدولي. وفي الواقع قدمت الولايات المتحدة شيكًا مفتوحًا لتقديم الدعم الشامل لإسرائيل.
واستنادًا إلى هذا الدعم قامت الحكومة الأمريكية بتزويد نظام الاحتلال الإسرائيلي بأنظمة الدفاع الصاروخي "ثاد"، لكي تكون بمثابة أداة فعالة لمواجهة الردود العسكرية الإيرانية، وتقديم مساعدة كبيرة ومهمة لإسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك زادت الحكومة الأمريكية من تواجدها العسكري في المنطقة ونشرت عدة أسراب من الطائرات المقاتلة من الجيلين الرابع والخامس في المنطقة. إن هذه الإجراءات التي تمت في إطار دعم نظام الاحتلال تمثل نوعاً من الضوء الأخضر للاستمرار في قتل الأبرياء على يد الصهاينة. في الحقيقة إن الحكومة الأمريكية رغم تجاهلها للقتل الوحشي الذي يجري في الأراضي المحتلة ولبنان، تظل مغمضة العينين عن الحقيقة، وتبحث فقط عن تأمين مصالحها ومصالح حلفائها في منطقة جنوب غرب آسيا.
يبدو أنه يجب اعتبار أمريكا الجاني الأكبر في هذه الجرائم وشريك إسرائيل في المنطقة. فلو لم يكن هناك هذا المستوى من الدعم لنظام الاحتلال، لكان من المؤكد أنهم سيوافقون على خطة لوقف إطلاق النار. لكن أمريكا كداعم رئيسي ومهم ورغم الدعاية الواسعة التي تروج لها وسائل الإعلام الغربية تعد واحدة من أكبر العقبات أمام اتفاقية وقف إطلاق النار. يمكن رؤية هذا الأمر في عدم الضغط الكافي على حكومة نتنياهو وكذلك في إرسال المعدات والأسلحة إلى الأراضي المحتلة.
الردع الأعظمي؟
نظرًا لأن أنظمة الدفاع الجديدة قد تم تثبيتها في الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى إرسال مزيد من المقاتلات إلى المنطقة فإن الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز الردع في المنطقة وتحاول السيطرة على مستوى التوترات. في هذه الحالة يمكن لأمريكا بصفتها قوة كبيرة أن تلعب دورًا استراتيجيًا ومهمًا في مستقبل المنطقة. وتُعد مسألة الاحتفاظ بالسيطرة في جنوب غرب آسيا قضية هامة بالنسبة لأمريكا. ومع ذلك يبدو أن هذه المقاربة تأتي بتكاليف باهظة الثمن بالنسبة لهم. ويجب عليهم زيادة قواتهم العسكرية وكذلك مضاعفة النفقات الحالية للعاملين والحفاظ على المعدات المتواجدة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك سيزداد مستوى التهديد الامني والضرر للقوات الأمريكية في المنطقة. وهذا يعني أن إسرائيل تمكنت من تحقيق مصالحها من خلال تقديم بعض التنازلات في إطار الدبلوماسية مع أمريكا.
يمكننا أن نرى أن إسرائيل تستعين بقوة خارجية قوية تُدعى أمريكا لزيادة مستوى ردعها، وذلك لتثبيت مكانتها في المنطقة. من جهة أخرى يسعى قادة النظام من خلال تنفيذ عمليات داخل إيران واستهداف عدد من القواعد في نقاط مختلفة في إيران وخاصة في طهران إلى تسريع إعادة بناء قدرتهم على الردع والعودة مرة أخرى إلى مستوى رمادي في صراعهم مع إيران. وهذا أمر مهم بالنسبة لهم حاليًا، لأن القتال على عدة جبهات سيكون صعبًا ومرهقًا للجيش الإسرائيلي.
إيران وفرص التفوق؟
ينبغي للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تفكر في تعزيز مستوى ردعها في هذه المرحلة. يجب على إيران أن تدرك أنه إذا ركزت فقط على صواريخها الباليستية، فلن تحقق نجاحًا كبيرًا في ساحة المعركة، وبالتالي عليها التفكير في تعزيز قدراتها الدفاعية على المدى القصير. علاوة على ذلك فإن تعزيز القدرات البحرية واستخدام الروبوتات البحرية وزوارق الانتحار يمكن أن تكون أدوات أخرى لإيران. لذلك يجب على إيران أن تولي اهتمامًا أكبر لوجودها في البحر الأبيض المتوسط وكذلك في البحر الأحمر، حتى تتمكن من امتلاك مزيد من الأدوات الدفاعية للرد. بالإضافة إلى ذلك ينبغي على إيران معاقبة أي دولة تسمح لإسرائيل باستخدام الأجواء أو التكنولوجيا أو اللوجستيات الخاصة بها، بطريقة ملموسة وفعالة وإلا فإن تقليل مستوى الردع سيُشكل تهديدًا شاملًا لطهران.
لذا، في المرحلة الحالية يجب على إيران زيادة أدواتها لمعاقبة العدو لتحقيق مستوى الردع اللازم وتوجيه التوتر إلى مستويات أقل. لأن القتال تحت عتبة الحرب المباشرة سيكون ميزة استراتيجية لإيران، وتهديدًا طويل الأمد ومرهقًا للكيان الاسرائيلي.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال