تعدّ مسيرة الأربعين ظاهرة دينية من قلب المعتقدات الشيعية فهي تُظهر أحد أهم الشعائر الدينية وفي الوقت نفسه تعد أيضاً ظاهرة سياسية. في الوقت الحاضر تجاوزت مسيرة الأربعين كونها مجرد احتفال وممارسة دينية، وأصبحت حدثًا بارزًا على المستوى العالمي.
على مدار السنوات الأخيرة التي شهدت انتشار وتوسع هذه المسيرة، بذلت الولايات المتحدة والدول الغربية في العالم والشرق الأوسط جهودًا كبيرة لإثارة الانقسام بين المذاهب ونشر الرهاب الشيعي بتكاليف باهظة. ومع ذلك يبدو أن مسيرة الأربعين قد أفشلت جميع هذه المحاولات وجمعت المسلمين تحت راية واحدة.
علاوة على ذلك، فإن وجود الولايات المتحدة والدول الغربية في المنطقة وافتعال الحروب والفوضى وانعدام الأمن قد أدى إلى خلق وضع سياسي واجتماعي غير مستقر في الشرق الأوسط، ورغم ذلك، ساهمت هذه الظروف في تعزيز التضامن والاتحاد بين المشاركين في مسيرة الأربعين. لدرجة أنه يبدو أن هذه المسيرة تتحول ببطء إلى حركة شاملة تطمح للعدالة، وتعزز الوحدة، وتنبذ الظلم، وأنها تسير نحو العالمية.
حيث إن رغم الحظر الإعلامي المفروض على هذه المناسبة من قبل الدول الغربية، يشارك فيها حتى مواطنون من دول مختلفة في أوروبا وأمريكا ومن ديانات أخرى. ولكن ما هي الأسباب التي جعلت هذه الحشود الضخمة تتجمع بهذا الشكل المنسجم والمتماسك، رغم اختلاف هوياتهم الفردية والاجتماعية والقومية والوطنية؟
في الواقع، يمكن القول إن ما أدى إلى هذا الاتحاد والتماسك هو الهوية الجماعية التي تشكلت خلال مسيرة الأربعين، وهذه الهوية تُبنى من تفاعل الأبعاد المختلفة لهذه المسيرة. وتُعدّ مقاومة الظلم أحد هذه الأبعاد.
من حيث أن رسالة الإمام الحسين إلى الشيعة تتمثل في رفض الظلم ومساندة الحق، أو بعبارة أخرى، فإن محاربة الظلم واحترام حقوق الإنسان تُعدّ من أهم رسائل عاشوراء وكربلاء. واليوم تُعتبر مكافحة الظلم مرتبطة بمكافحة النظام الصهيوني، والدفاع عن المظلومين هو في الحقيقة دفاع عن الشعب الفلسطيني ومقاومته. لذلك، يمكن أن تكون الحركة العظيمة للمشاركين في مسيرة الأربعين، امتدادًا لطوفان الأقصى، وحركة مصاحِبة للمعرفة لدعم الشعب الفلسطيني المظلوم، خاصة النساء والأطفال الذين تتعرض حقوقهم لأبشع الانتهاكات، تمامًا كما تعرضت حقوق نساء وأطفال عاشوراء للانتهاك، وهم يتأثرون بشكل سلبي من ظلم النظام الإسرائيلي المحتل وداعميه.
في الأشهر القليلة الماضية، كانت الأحداث والظروف السائدة في غزة تشبه أحداث كربلاء وعاشوراء. وهذه مسألة شهدها العالم بأسره.
ما هي أوجه الشبه بين أحداث غزة وكربلاء؟
لقد مرت آلاف وآلاف السنين على واقعة كربلاء التاريخية، فلا عجب أن يتكرر التاريخ مرة أخرى. ويبدو أن جوهر التاريخ هو أن يكرر نفسه للبشر، كما حدث في كربلاء التي تُعيد تجاربها تقريبًا بعد ألف وأربعمائة عام هذه المرة للأطفال الفلسطينيين في غزة. لذلك يبدو أن الجرائم التي تحدث هذه الأيام في غزة هي تكرار للجرائم التي ارتكبها اليزيديون في كربلاء، حيث كان أحدهم باسم "حرملة"، يوجه سهمه إلى حلق الطفل العطشان الإمام الحسين (عليه السلام)، واليوم يتم تمزيق آلاف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عدة أشهر وعدة سنوات بقنابل وطائرات حرملة الزمان (نظام الاحتلال الإسرائيلي وداعميه) مع أمهاتهم وآبائهم.
تشير إحصائيات الحرب إلى أن الضحايا الرئيسيين من الحرب التي يشنها النظام الصهيوني ضد غزة هم الأطفال الفلسطينيون: (الإحصائيات حتى 12 يوليو 2024)
- 1,100,000: إجمالي عدد الأطفال في غزة الذين تأثروا بالحرب.
- 16,054: عدد شهداء الأطفال خلال قصف غزة، حيث يمثل الأطفال 42% من إجمالي شهداء غزة.
- 21,000: عدد الأطفال تحت الأنقاض أو الذين دفنوا في قبور جماعية وغير معروفة.
- 635: عدد الأسرى الأطفال الفلسطينيين في سجون النظام الصهيوني.
- 17,000: عدد الأطفال الذين أصبحوا يتامى جراء الحرب في غزة.
- 44: عدد الشهداء بسبب المجاعة في ظل حصار مدبر.
- 3,500: عدد الأطفال المعرضين للموت بسبب سوء التغذية ونقص الأدوية.
- 350,000: عدد الأطفال دون سن الخامسة الذين يواجهون نقصًا حادًا في المواد الغذائية. [1]
هذه الإحصائيات كافية لتكون صوت المظلومين والمضطهدين وأيضًا المقاومين في فلسطين، بينما يجتمع الأحرار في العالم في هذه الفعالية العظيمة بمناسبة الأربعين لشهادة الإمام. إن المشاركين في مسيرة الأربعين هم أولئك الذين يقولون "لا للحرب" ليس لمجرد قول ذلك، بل لأن الكلام لم يعد مفيدًا. يجب على الجمعيات والحركات والأشخاص المعارضين للحرب أن يقفوا في مواجهة الحروب ومرتكبي الجرائم الكبرى مثل تلك التي يرتكبها النظام الإسرائيلي.
الحرب هي ظاهرة يُفرضها الظالمون على البشر، فهناك ظالم وهناك مظلوم، وعليك أن تقف في وجه الظالم حتى تتحول عبارة "لا للحرب" من مجرد شعار إلى حقيقة. إن مسيرة الأربعين هي فرصة مناسبة للشيعة لأن يكونوا صوت المظلومين في فلسطين ويدعموا المظلومين في وجه الظالمين، تمامًا كما وقف الإمام الحسين (عليه السلام) في مواجهة الظلم.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال