– تعتبر الحرب الأوكرانية أول مواجهة عسكرية كبرى على الصعيد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، تدور في ظروف متكافئة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بين أحد أقوى جيوش الغرب الذي يملك خلفية إمداد مالي ولوجستي مفتوحة، بصورة تتيح له التحوّل إلى طليعة مقاتلة لجيوش الغرب، تحظى بجسر برّي تتلقى عبره كل أنواع الأسلحة المفيدة، والمعلومات الاستخبارية، واستيعاب اللاجئين وتأمين الموارد البديلة للاقتصاد المدمر لمواصلة الحرب، والشراكة بالتضييق وفرض الحصار على الجهة المعادية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتكنولوجياً، وبالمقابل أقوى جيوش الشرق المدجّج بسلاح نوويّ والمتطور تكنولوجياً، والمستند الى عمق جغرافي وسكاني هائل، وصناعة حربية متطورة، واقتصاد يصعب تجفيف موارده المالية لاستناده الى موارد الطاقة التي لا غنى عنها للاقتصادات المعادية. وتتشكل ساحة المناورة العسكرية للحرب من مساحة تزيد عن مليوني كلم مربع، هي مساحة أوكرانيا نفسها، والبحار المحيطة والدول المجاورة.
– تتزامن هذه الحرب الممتدّة منذ شهرين مع دعوات بعض الأطراف اللبنانية، بتشجيع عربي وغربي، على خوض الانتخابات النيابية تحت شعار نزع سلاح حزب الله، الذي يوازي شعار الحرب التي أعلنتها روسيا بنزع سلاح الجيش الأوكراني، فيما تقدم الحرب الأوكرانية فرصة لتقدير موقف عسكري حول مدى إمكانية جعل شعار نزع حزب الله واقعياً، من خلال مقارنة العناصر التي يمكن لها أن تجيب على هذا السؤال من الزاوية العسكرية الصرفة، بعيداً عن الرغبات والتمنيات، سواء بحفظ السلاح أو نزعه، فربما لا ينتبه البعض من غير المعنيين بالشؤون العسكرية وخبرائها، أن حجم القوى المتقابلة في حرب أوكرانيا، والتي يقدّرها الخبراء بـ مئة الف جندي من كل طرف، تعادل الرقم الرسمي المعلن من قبل الأمين العام لحزب الله لحجم القوة المنظمة للحزب عسكرياً. ومن أهم نتائج معارك الشهرين الماضيين في حرب أوكرانيا إثبات عدم فعالية سلاح المدرعات والدبابات على طرفي الحرب، حيث صارت أهدافاً سهلة لطائرات روسيا المروحية المزوّدة بصواريخ مضادة للمدرعات، على الجانب الأوكراني، وأهدافاً سهلة لصواريخ غربية موازية مضادة للمدرعات، على الجانب الروسي، بينما يجمع الخبراء على محدودية فاعلية سلاح الجو الروسي رغم تفوّقه الكبير كماً ونوعاً، بعدما تحول خشية صواريخ دفاع جوي محمولة، الى مصدر إطلاق صواريخ بعيدة المدى عالية الدقة، مثله مثل الغواصات، ومثل منصات اطلاق الصواريخ من البرّ، فظهر التفوق الروسي بذلك في القدرة الصاروخية العالية الدقة، سواء في استهداف البنية التحتية العسكرية للجيش الأوكراني او خطوط الإمداد الآتية من الغرب، او خزانات الوقود والأهداف الحيوية المزدوجة الاستخدام في الحروب، بينما ظهر التفوّق الأوكراني في فعالية مشاة البر المدربين وخصوصاً الجماعات العقائدية منهم، كفرقة آزوف التي خاضت ولا تزال معركة ماريوبول، ما استدعى لمواجهتها استحضار قوة توازيها في فنون حروب المشاة والتعبئة العقائدية يمثلها الجيش الشيشاني.
– وفقاً لمراكز الأبحاث العسكرية الغربية يصنف الجيش الأوكراني في المرتبة الحادية والعشرين عالمياً، بينما انخفض تصنيف الجيش الإسرائيلي من المرتبة الخامسة عشرة إلى المرتبة العشرين، تحت تأثير حروبه مع حزب الله ومع المقاومة في غزة، ووفقاً لمقارنة بسيطة فإن الجيش السعودي يصنف في المرتبة السابعة عشرة عالمياً، وما آلت إليه حرب اليمن، التي خاضها تحت شعار نزع سلاح أنصار الله، تقدّم الكثير للراغبين في امتلاك فهم علمي لموازين القوى ومسارات حسم الحروب ومعاييرها، وقد نجح أنصار الله بقوة اعتمادهم على ثلاثة عناصر، هي صواريخ محدودة العدد وعالية الدقة، وشبكة فعالة من الطائرات المسيّرة، ولكن أساساً على جبهة داخلية متينة تحمي قوة مشاة بر شديدة الاحتراف والتماسك والقدرة، وبالمقارنة مع حرب اليمن ومع حرب أوكرانيا على ضفتيها الروسية والأوكرانية، ومع فوارق القدرة على تحمل الخسائر البرية بين روسيا وجيوش الغرب الأميركية والأوروبية، يمكن القول إن الجيش الأوكراني هو الجيش الأول بين جيوش الغرب القادر على مواجهة الجيش الروسي وتحمل الخسائر البشريّة، وأن ما يستطيعه الجيش الروسي في مواجهة الجيش الأوكرانيّ على هذا الصعيد، وما استطاعه الجيش السعوديّ على هذا الصعيد أيضاً، أي تحمل الخسائر البشرية لا يستطيعه الجيش الأميركي والجيش الإسرائيلي معاً في مواجهة حزب الله.
– ساحة مناورة أية حرب لنزع سلاح حزب الله ستتسع على مساحة تزيد عن عشرة ملايين كلم مربع تصل الى إيران والخليج والبحر الأحمر والبحر المتوسط، وسيكون حجم الصواريخ العالية الدقة المستخدمة فيها أضعافاً مضاعفة لتلك التي استخدمت في الحرب الأوكرانيّة، ومجموع القوة البرية المحترفة التي ستشارك فيها على مساحة الحرب جغرافياً، من لبنان الى فلسطين واليمن والعراق وسورية وإيران، ستزيد عن مليون مقاتل عقائديّ محترف، فهي عملياً عشرة حروب من حرب أوكرانيا، لكن ما يلفت الانتباه أكثر هو أن حزب الله وحده يملك ميزات التفوق المجتمعة لدى الجيشين المتحاربين في أوكرانيا، الجيش الروسي والجيش الأوكراني، سلاح فعّال مضاد للمدرعات والأساطيل، 100 ألف من مشاة البر المحترفين والعقائديّين، وشبكة مكوّنة من آلاف الصواريخ العالية الدقة الشديدة الانفجار من نوعية متقدّمة، وشبكة موازية من الطائرات المسيّرة العصريّة، وشبكة استخبارات ومعلومات واستطلاع شديدة التميّز والفعالية. واذا كان الجيش الأوكراني بأقل منها استطاع مواصلة القتال بوجه الجيش الروسي لشهرين ولا يزال يقاتل، فهل نتحدّث عن سنة مثلاً لبلوغ المرحلة ذاتها إذا كان الجيش الأميركي والجيش الإسرائيليّ في موقع الهجوم وحزب الله هو الذي يواجه؟
– بعض هواة السياسة المستجدّين والسذج يتحدثون عن الحاجة لقرار دولي، يضمنون معه نزع السلاح، وهؤلاء ربما فاتهم أن هذا القرار صدر وحمل الرقم 1559، وحظي يومها بموافقة روسيا والصين، وجاءت حرب تموز 2006 وفقاً لتصريحات غونداليسا رايس آلية تنفيذية للقرار، وفي ظروف نموذجيّة لن تتكرر لصالح فرض تنفيذه، لبنانياً وإقليمياً ودولياً، وكان الفشل نصيب أصحاب القرار وأصحاب الحرب، فعن أي مجتمع دولي نتحدّث اليوم والحرب تقسمه نصفين، وأي إقليم، وأي لبنان، وأي حزب الله وأية قوة عسكرية لديه، كلها تغيّرت لصالح جعل مجرد التفكير بفرض قرار دولي، وقدرة دولية، وفلسفة نزع السلاح، مجرد حماقة وغباء!
– بقياس معايير تصنيف الجيوش العالمية بالتأكيد سيكون هناك خبراء متنوّرون، يعتمدون العلم كأداة قياس، وخبرات الحروب كمعايير، وسيكون بينهم من يصنف حزب الله كخامس أو سادس قوة عسكرية في العالم، وربما يتجرأ البعض للقول إن هناك معسكرين نوويين عالميين هما الغرب والشرق، ومقابلهما هناك قوة ثالثة هي محور المقاومة، وفي قلبه حزب الله يمثل القيمة المضافة والطليعة المقاتلة ورأس الحربة الفعال!
ناصر قنديل
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال