من يعبث بأمن العراق؟ 9

من يعبث بأمن العراق؟

   الأحداث والوقائع الدراماتيكية التي شهدتها الساحة العراقية خلال الأسبوعين الماضيين، وفي خضم ظروف وأوضاع سياسية حساسة، وفي ظل مرحلة مفصلية حرجة للغاية، تؤشر بما لا يقبل الشك إلى أن هناك أيادي تسعى جاهدة الى خلط الأوراق لتمرير الفتن والمؤامرات، مستغلة حالة التناحر والاختلاف السياسي الذي أفرزته النتائج المثيرة للجدل للانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في العاشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر المنصرم، ومن ثم ما شهدته الجلسة الأولى للبرلمان الجديد بدورته الخامسة من فوضى وارتباك وتجاوز للسياقات الدستورية.

   ما جرى من قصف للمنظقة الخضراء واستهداف لمقار حزبية وشخصيات سياسية معينة في العاصمة بغداد ومدن اخرى، جاء على وقع قرار المحكمة الاتحادية العليا بتعليق عمل رئاسة البرلمان الجديد، الى أن تبت في الطعون المرفوعة لها، وهذا يستدعي وقفة جادة من الجميع، وتقدير حقيقي لطبيعة وحجم المخاطر المحدقة بالبلاد وسبل مواجهة تلك المخاطر، وقبل ذلك التوقف والتدقيق في عمق ملابسات الحوادث الحاصلة، من حيث التوقيت والجهات المستهدفة، وما يمكن ان تفضي اليه من آثار وتبعات.

الأطراف المستهدفة هي التي تفاهمت وتحالفت فيما بينها الى جانب التيار الصدري، لتمرير قضية انتخاب كل من الحلبوسي لرئاسة البرلمان لولاية ثانية والقيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي نائبًا أول له، وشاخوان عبد الله نائبا ثانيًا، وسط رفض ومقاطعة من قبل قوى الاطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني وكتل سياسية اخرى، وهو ما يراد له أن يترك انطباعا وتصورا بأن الرافضين والمعارضين والمقاطعين هم من يقفون وراء تلك الاحداث والاستهدافات، بينما التأمل والتدقيق والتعمق، يؤدي للتوصل الى استنتاجات مختلفة تماما، ومنطقية ومعقولة الى حد كبير، انطلاقا من تساؤل جوهري، مفاده هل أن لجوء قوى الاطار التنسيقي والآخرين الى العنف والقوة المسلحة، يمكن أن يعيد الامور الى نصابها، ويتيح لها توجيه المسارات بالشكل الذي ينسجم مع مصالحها وحساباتها؟

طبيعي جدًا أن يكون الجواب عن التساؤل هو: كلا، لأن قوى الاطار كان بإمكانها اللجوء الى القوة والعنف في الوقت الذي نجحت فيه بتحشيد وتعبئة أعداد هائلة من أنصارها ومريديها للخروج بتظاهرات واعتصامات رافضة لنتائج الانتخابات، استمرت بضعة أسابيع، فضلًا عن ذلك، فإنها متفقة جميعها على أن اللجوء الى العنف يعد أسوأ وأخطر الخيارات عليها وعلى الاخرين، الى جانب كونها تشدد دومًا على أهمية صيانة السلم الأهلي والتعايش المجتمعي.

وفي هذا الحال، ربما يُطرح تساؤل آخر، وهو هل يمكن أن تكون الأطراف التي مررت الحبلوسي والزاملي وعبد الله للتربع على منصة رئاسة البرلمان، هي التي دبرت ورتبت سيناريو الاستهدافات، لتعزز رصيدها وتثبت ومكاسبها، وتحرز قدرًا أكبر من تعاطف الجمهور معها؟

مرة أخرى يكون الجواب: كلا، لأن القوى والأطراف المتحالفة، يُفترض أنها ما زالت تقدر جيدًا أن أفضل الخيارات بالنسبة إليها هو التفاهم والتوافق مع قوى الاطار، والدليل على ذلك هو أن الحوارات والنقاشات لم تتوقف على كل المستويات وبشتى الاتجاهات من أجل التوصل الى صيغة مقبولة ومرضية للجميع، وتقدر كذلك، أن خيار الذهاب وحدها في تشكيل الحكومة وادارة الدولة، إما سيكون متعثرًا ومرتبكًا، أو أنه بعد فترة من الزمن سوف يصل الى طريق مسدود.

وهناك قناعة لدى مختلف الأطراف السياسية العراقية – وإن كانت بنسب متباينة – أن الحوار والحراك الايجابي الهادف الى احتواء وتطويق الأزمات، وردم الهوة بين الشركاء، والبحث عن نقاط الالتقاء والابتعاد عن نقاط الافتراق، من شأنه أن يصحح المسارات الخاطئة والسياقات غير السليمة، السياسية منها والقانونية. وطبيعي أن المسؤولية الأكبر في كسر الجمود السياسي تقع على عاتق القوى السياسية الكبيرة المتمثلة بالدرجة الأساس بقوى الاطار التنسيقي والتيار الصدري ومعهم الشركاء من المكونات المجتمعية الاخرى الى جانب المسؤولية المماثلة التي تقع على عاتق المحكمة الاتحادية العليا في تشخيص أي خروقات وتجاوزات قانونية ودستورية وإيجاد الحلول والمعالجات المهنية والموضوعية لها بما يحفظ حقوق الجميع ويصون الدستور ويحول دون انزلاق البلاد نحو الفوضى والاضطراب ونحو غياب المجهول.

يبقى الاحتمال الأخير والمتمثل بتورط أطراف خارجية بالاستهدافات للمقرات والشخصيات لاثارة الفتنة وتأزيم الأمور، هو الأرجح، باعتباره جزءا من المخطط الرامي لتفكيك واضعاف المكون الشيعي، وحل الحشد الشعبي، وتحجيم القوى السياسية الوطنية المتحالفة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، وهذا ما تتحدث عنه وتروج وتدعو له الأوساط السياسية ووسائل الاعلام ومراكز الدراسات الغربية، لا سيما في الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا والكيان الصهيوني، التي لم تستطع اخفاء فرحها وسرورها، حينما ذهب التيار الصدري للتحالف مع قوى سنية وكردية، ولم يتفاهم مع قوى الاطار.

ولا شك أنه إذا كان الاختلاف في الرؤى والتصورات والتوجهات والأولويات، يعد إحدى سمات النظام الديمقراطي، فعلى الفرقاء السياسيين العراقيين – لا سيما أطراف المكون المجتمعي الأكبر – أن يلتفتوا جيدًا الى طبيعة الأجندات والمشاريع التي تحاك للعراق في كواليس واشنطن ولندن و”تل ابيب” وعواصم أخرى، ويدركوا حجم مخاطرها الآنية والمستقبليةـ وكذلك عليهم الالتفات إلى أن تجارب الأعوام التسعة عشر الماضية، أثبتت وبينت عدة حقائق، من بينها أن الخلافات والتقاطعات السياسية بين الشركاء غالبًا ما تكون لها آثار وتبعات سلبية بل وكارثية على عموم الأوضاع الأمنية والاقتصادية والحياتية لمختلف فئات وشرائح الشعب، وأن أسوأ السبل لحل ومعالجة المشاكل والازمات هو اللجوء الى تأزيم الأوضاع، والنزوع نحو العنف، واستخدام السلاح لتصفية الحسابات واحراز المكاسب والامتيازات.

عادل الجبوري

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال