تدخل إيران عامها الثالث والأربعين بعد انتصار الثورة الإسلامية في فبراير من هذا العام، بينما لم تتغلب فقط على جميع أنواع الضغوط والتهديدات والعقوبات والحرب العسكرية والحرب الدعائية وغيرها، وحركة الشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني (قدس سره) لم تتوقف، بل إن العالم يراقب الآن كيف أصبحت الجمهورية الإسلامية أحد اللاعبين الأساسيين على الساحة الدولية ومؤثرةً في مسار التطورات العالمية.
اختلاف طبيعة الثورة الإسلامية عن الثورات الأخرى في العالم
تعود إحدى أهم القضايا المتعلقة بالثورة الإسلامية الإيرانية منذ انتصارها في فبراير 1978، إلى الطبيعة المختلفة للحركة الثورية الإيرانية عن الأحداث المماثلة في أجزاء أخرى من العالم خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.
فمن ناحية، في مجال الطبيعة السياسية، تأثرت الحركات الشعبية الكبرى الطالبة للاستقلال والديمقراطية في القرن العشرين، وخاصةً في النصف الثاني منه، بالتنافس بين القوتين العظميين في الشرق والغرب، وبالتالي إما أنها مستوحاة من الفكر الماركسي أو تتبع المفكرين والسياسيين الغربيين والليبراليين. وقد حدَّد هذا الجدل إلى حد كبير مصير معظم الانتفاضات الشعبية، حتى في المجتمعات غير الغربية وما يسمى بالعالم الثالث.
من ناحية أخرى، شدد الفكر السائد في الأيديولوجيات الغربية على العلمانية وابتعاد الدين والروحانية عن أي دور في الحياة السياسية والاجتماعية، ونتيجةً لذلك تم تجاهل الجذور الحضارية والثقافية لدول الشرق، والتي كانت مرتبطةً بدين هذه المجتمعات. قضيةٌ ابتلعت الثقافات الشرقية المحلية وغير الرأسمالية من خلال عملية أو مشروع العولمة كظاهرة غربية، وغذت أزمة الهوية والروحانية في العصر الحالي.
في غضون ذلك، قدمت الثورة الإيرانية، بطابع العدالة والديمقراطية وإعادة الدين والروحانية إلى الحياة الاجتماعية والسياسية، بقيادة زعيم ديني عظيم، فسحةً جديدةً للتنفس وخطاباً جديداً للعالم.
لكن من بُعدٍ آخر، فإن الثورة الإسلامية والحركة الشعبية الإيرانية، على عكس ثورات الاستقلال الأخرى في العالم الثالث، والتي إما خضعت لتحول ودمار سريع في مواجهة تهديدات وضغوط وتأثير القوى العظمى، أو واجهت مصير الديكتاتورية وإزاحة الناس من السلطة، تمكنت حتى يومنا هذا من منع القوى العظمى من فرض وجهات نظرها على الشعب الإيراني، من خلال الحفاظ على أيديولوجيتها وشعاراتها المعادية والمناهضة للإمبريالية، وفي نفس الوقت المحافظة على مبدأ الديمقراطية الدينية وتداول السلطة والنظام الانتخابي.
الثورة الإسلامية وتشكيل جيوسياسية المقاومة
إنتصار الثورة الإسلامية، بالإضافة إلى أبعادها الأيديولوجية والثقافية، في البعد الجيوسياسي والتطورات العالمية لتنافس الدول في مجال الأمن والاقتصاد، وخاصةً في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا الإستراتيجية، والتي كانت مركز وجود ومنافسة القوى العالمية لعقود، أحدثت تغييرات خطيرة على الساحة الدولية.
على الساحة الإقليمية، قبل الثورة الإسلامية، إيران التي كانت تُعرف باسم الدرك الإقليمي بسبب علاقاتها الوثيقة مع الغرب والولايات المتحدة، وكانت الأداة الرئيسية لتعزيز الاستراتيجية الأمنية والمصالح الاقتصادية للقوى الغربية في الخليج الفارسي، لم يكن لها نفوذ إقليمي كبير.
ولكن بعد الثورة الإسلامية التي حملت رسالة نصرة المظلومين ومواجهة هيمنة القوى الأجنبية على شؤون المنطقة والدول الإسلامية، تغير الهيكل الأمني للمنطقة بالكامل، وبعد عقود أصبح محور المقاومة الذي تقوده إيران الآن القوة الرئيسية المؤثرة في التطورات الإقليمية.
وعلى الساحة الدولية، فإن الوضع في إيران قبل وبعد الثورة الإسلامية لا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال.
فبينما لعبت إيران دوراً رئيسياً في إفشال الاستراتيجيات الأمريكية في منطقة غرب آسيا والخليج الفارسي على مدار الأربعين عاماً الماضية، فقد أدى ذلك إلى تسريع نهاية فكرة العالم أحادي القطب وشعار المفكرين الغربيين حول نهاية التاريخ، وأصبحت إيران الآن لاعباً رئيسياً في انتقال العالم إلى نظام عالمي جديد، إلى جانب القوى الكبرى مثل الصين وروسيا.
الإنتقال من التفكير بالتهديد الخارجي
القضية المهمة الأخرى التي تتعلق بحركة الشعب الإيراني على مدى العقود الأربعة الماضية، هي قضية الأمن القومي المهمة للغاية، والتي تحتل اليوم جزءاً كبيراً من اهتمامات دول منطقة الشرق الأوسط المضطربة.
بالنظر إلى الأوضاع في دول المنطقة، يمكن ملاحظة أن الأمن القومي لا يمكن شراؤه بالاستسلام والخضوع للابتزاز، مثل الدول العربية، ولا بالاعتماد على المشتريات العسكرية وواردات السلاح للحفاظ على الأمن الإقليمي ومواجهة التهديدات الأمنية.
قبل الثورة الإسلامية، كانت إيران واحدةً من أكبر مشتري الصناعة العسكرية في العالم وزبوناً رئيسياً للأسلحة العسكرية الغربية، الأمر الذي كان يدر عائدات سنوية ضخمة للشركات الغربية.
ولكن الآن، في العقد الرابع من الثورة الإسلامية، لا تنتج إيران فقط جميع الاحتياجات الاستراتيجية في مجال صناعة الدفاع، ولكن أيضاً في الصناعات الرائدة مثل صناعة الصواريخ والفضاء وبناء الطائرات العسكرية بدون طيار، فهي من بين القوى العظمى في العالم، بحيث أصبح التهديد بالعدوان الخارجي هو أقل ما يشغل الأمن القومي الإيراني.
المصدر: الوفاق
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال