مولد الرسول (ص) الأغر.. عيد الوحدة الاسلامية وتحطيم أوكار الظلم والاضطهاد 19

مولد الرسول (ص) الأغر.. عيد الوحدة الاسلامية وتحطيم أوكار الظلم والاضطهاد

“لَقَدْ كانَ لَكمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يرْجُوا اللهَ وَالْيوْمَ الآخِرَ وَذَكرَ اللهَ كثِيراً” (الاحزاب/21).
بلـغ العــــلا بكمالـــــه كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله صلــّــوا عليــــه وآلـــه

تمر علينا هذه الأيام ذكرى ميلاد النورين، الرسول الأعظم (ص) وحفيده الإمام الصادق (ع)، فنبارك للأمة الإسلامية جمعاء عيد المولد النبوي الشريف المتزامن مع مولد الامام جعفر الصادق (ع)، أعاده الله عليكم باليمن والبركة.

وبهذه المناسبة المباركة نقدّم لكم المقال الذي كتبه الدكتور”سيد محمود خواسته” فيما يتعلق بميلاد الرسول (ص) والوحدة الإسلامية، وبعد ذلك اخترنا لكم من كلام الإمام الخميني (رض) بهذه المناسبة العظيمة.

مولد الرسول الأعظم (ص) والوحدة الإسلامية

لم يبلغ احد قمة الإنسانية، وشرف وجود الانسان على الارض، وتناثره هنا وهناك بامتداد شرقها وغربها وجنوبها وشمالها، منذ الازل لحد الان، ما بلغه نبينا الاعظم (ص)، فهو ليس سيد الانبياء والرسل (ع) فحسب، بل واشرفهم بما كل ما تعني الكلمة وتشير اليه، فهو الامين في عهد الجاهلية المظلم، والحكم الذي ارتضته، آنذاك، قبائل الجزيرة العربية، لرفع الحجر المقدس ووضعه في مكانه المناسب في الكعبة، بعدما اشتد الخصام بينها ولم يبق الا السيف والسنان حكما! وبشّرت بقدومه الميمون الكتب السماوية وخاصة التوراة، فاستبشر بذلك بادئ الامر، يهود بني النضير وبني قريظة، وأخذوا يعدون الايام لظهوره والالتحاق بالدين الجديد الذي ياتي به، ولكنهم ارتدوا على اعقابهم، لما استبانوا ان المبعوث ليس من بني اسرائيل هذه المرة! فناصبوه العداء منذ ولادته (ص)، وليدا، حدثا وشابا، وبذلوا ما استطاعوا للقضاء عليه، متعاونين مع اركان المشركين من قريش واحلافها، ومتحدين مع الاوس والخزرج، قبل ان يهديهم الله تعالى، ويتحولوا الى انصار النبي (ص) والدين الجديد، حيث باءت مساعيهم بالفشل الذريع.

فما نفعهم حصار المسلمين الجدد في شعب ابي طالب لسنوات عدة، قاسى ما قاسى خلالها المسلمون من انواع العذاب، وما نفعهم أيضا، تدمير ونهب ممتلكات المسلمين في مكة، ولا مطاردة الرسول (ص) حين قرر الهجرة الى يثرب (المدينة المنورة)، وكان الرسول (ص) قاب قوسين او ادنى من الموت المحدق به، وهو في غار وصلوا اليه، ولم يفصله عنهم غير نسيج عنكبوت وحمامة نائمة على بيضها! فسبحان الله العلي العظيم.

وأوفدوا احدا منهم الى الحبشة (اثيوبيا)، وكان صديقا حميما لملكها المسيحي، لإعادة اوائل المسلمين، الذين امرهم النبي( ص) بالهجرة اليها، بادعاء انهم عبيد مارقون لقريش، ويتوجب تكبيلهم وارجاعهم الى اسيادهم! فكان رد الملك الحبشي، ان الفارق بينه وبينهم كخيط رفيع، ولا يمكنه تسليمهم الى الموفد القريشي ولو بجبل من ذهب!

وهكذا عاد مبعوث المشركين بخفي حنين! ودخل الرسول (ص) يثرب منتصرا، مرحبا به من قبل اهلها، الذين اصبحوا انصارا له. وتوالت الانتصارات بعد ذلك في بدر وغيرها، وانطلقت جحافل المسلمين، لفتح مكة وتطهيرها من دنس الاصنام والمشركين، حتى ان ابا سفيان لم يصدق ما شاهدته عيناه! فاسلم غير مؤمن بالاسلام ونبي الاسلام (ص) حقيقة وواقعا! فقد التف معاوية بن ابي سفيان على الدين الفتي، متظاهرا بالتقوى وخلافة المسلمين، التي اغتصبها زورا وبهتانا، وأعاد تقاليد الجاهلية البغيضة، وأسرف في ذلك بل وتعدى الحدود!

فأقام سلطنة وراثية، ترتكز على العنصرية والظلم والفساد، ونسخ ما جاءت به الديانة الجديدة. وتبعه وارثه يزيد، الذي حول خلافة المسلمين الى العوبة ودمية، يوجهها حيثما اراد، ولطخ يديه بدماء اهل البيت (ع) الزكية، فرحا بنيله ثار مشركي قريش في معركة بدر.

الا ان ذلك لم ينفعه وبني امية قاطبة، فأصبحوا لا ذكر لهم، وكانهم لم يدبوا على الارض ابدا! وما حصدته الخلافة العباسية، التي قامت على اكتاف الموالين لاهل البيت (ع) وتنكرت لهم، غير الخيبة، والخذلان، وما بقي في الساحة، الا ال النبي (ص )، والدين القويم والمنهج السليم، الذي اريقت على دربه دماء طاهرة جمة. اننا، اليوم، نحتفل، بميلاد سيد البشر، والطهر المطهر، صاحب العروة الوثقى، والرسول الامجد محمد (ص)، في الوقت الذي يتقاتل فيه المسلمون، ويهطع اكثر زعمائهم الرؤوس، وينحنون تعظيما وتبجيلا لشيطان رجيم، جاء الاسلام للقضاء عليه، وازاحته عن الطريق، ويوالون بهائم ترتدي البسة البشر، هي بقايا من شهروا السيوف بوجه النبي الاعظم (ص) ابان ظهور الاسلام، فهل صغوا لما يقوله الله تعالى، ووعوا ذلك؟ وهل ادركوا عاقبة ما يقمون به؟ فـ “مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.” (العنكبوت/41).

فأين العبر والمعتبر؟ فهم يتعرضون للغزو داخل اراضيهم وبلدانهم وبيوتهم من بني صهيون، الذين طبلوا وزمروا لهم، مطبعين حسب ما يدعون! وما يرف لهم جفن او ينبض عرق بالغيرة! فهي الذلة بحذافيرها، كما قال امير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة: “…فوا الله ما غزي قوم قط في عقر دارهم الا ذلوا…” (نهج البلاغة/ الخطبة 27).

لقد تركوا الكيان الصهيوني الغاصب، العدو اللدود للاسلام والمسلمين، واتخذوا معاداة، وما النعرات الطائفية، التي يثيرها بين حين واخر منحطون وانتهازيون، يقتاتون على موائد اسيادهم، من الامريكان والصهاينة، كالتفرقة بين الاشقاء من السنة والشيعة، الا نماذج واضحة للعيان، حول ما تدبره خفافيش الليل ضد الاسلام الاصيل واتباعه، وكما قال الامام الخميني (رض)، فإن “مأساة السنة والشيعة غير مطروحة في الاسلام. الجميع اخوة فلا انتم اعداؤنا ولا نحن اعداؤكم، لان الاسلام دين الاخوة والمساواة” (صحيفة الامام العربية، ج 9، ص327)، وهو جل جلاله ” الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .” (التوبة/33)، بما فيهم الجدد الذين يجعلون مع الله تعالى الها اخر! فـ ” سبحان ربك رب العزة عما يصفون” (الصافات/180).

وها هو عيد الميلاد الأغر وعيد الوحدة الاسلامية، تتباهى بالمولد الشريف صادحة:

ولد الهدى فالكائنات ضياء

وفم الزمان تبسم وثناء

الروح والملا الملائك حوله

للدين والدنيا به بشراء

والعرش يزهو والحظيرة تزدهي

والمنتهى والسدرة العصماء

وحديقة الفرقان ضاحكة الربى

بالترجمان شذية غناء

والوحي يقطر سلسلا من سلسل

واللوح والقلم البديع رواء .

(احمد شوقي، من قصيدة غراء يمدح بها الرسول الاعظم (ص).

 العيد السعيد في كلام الامام الخميني (رض)

أبارك لكل المستضعفين والمحرومين ولجميع شعوب العالم وخصوصاً المسلمين بمناسبة هذا العيد، إنَّ العيد الكبير الذي أريد أن أهنّئكم به هو في الحقيقة عيدان: عيد مولد حضرة الرسول الأكرم (ص) وعيد ولادة حضرة الإمام الصادق (ع) جعل الله هذا اليوم مباركاً عليكم جميعاً وعلى مسلمي العالم وعلى الشعوب الإسلامية الكبرى خصوصاً الشعب الإيراني.

والولادات مختلفة، فولادة تكون مبدأ خير، مبدأ تحطيم للظلم ولاخماد معابد الأوثان والنار، مثل ولادة الرسول الاكرم (ص) حيث قيل إنه انطفأت نار معبد النار في فارس وتحطّمت شرفات إيوان كسرى!

ولكن حقيقة الامر كانت هناك قوتان في ذلك العصر، إحداهما القوة الجبارة الحاكمة والاخرى القوة الروحانية العابدة للنار. وكانت ولادة رسول الله (ص) مبدأ لتحطيم هاتين القوتين، إحداهما طاق كسرى حيث تحطمت شرفاته الظالمة، والاخرى نار معبد المجوس بفارس التي خمدت! أما ما يقال (انوشيروان العادل) فهي ليست اكثر من اسطورة، لأنه كان حاكماً ظالماً سفاحاً. ولكن عندما يوضع بين السلاطين الآخرين، ربما يقال له بالعادل، وإلّا فاين هو والعدالة.

فولادة الرسول الاكرم (ص) كانت مبدأ انهيار اسس الظلم وخمود نيران العقيدة الوثنية وعبادة النار. وان انتشار مبدأي التوحيد والعدل في العالم كان على يد الرسول الاكرم (ص). لقد جاءت النبوة أساساً لتحطيم اسس قدرة الاقوياء الذين يظلمون الناس. كان مبعث النبي الاكرم (ص) لتحطيم شرفات وهدم اسس قصر الظلم الذي شُيد بمعاناة وجراح قلوب هؤلاء المساكين واستغلال الناس الضعفاء. ومن ناحية اخرى بما أنها كانت لنشر التوحيد، فقد هدّمت الأماكن التي كانت منطلقاً لعبادة غير الله ولعبادة النار وأخمدت النيران. “صحيفة الإمام (ترجمة عربية)، ج‏4، ص: 110”.

الإمام جعفر الصادق (ع) في كلام الإمام الخميني (رض)

عَنْ حَمَادِ ْبِن عيسي، قَالَ: «خَرَجَ أبُو عَبْدِالله عليه السّلام مِنَ الْمَسْجِدِ وَقَدْ ضاعَتْ دَابَّتُهُ فَقَالَ: لَئِنْ رَدَّهَا الله عَلَىَّ لأَشْكرَنَّ الله حَقَّ شُكرِهِ. قالَ: فَمَا لَبِثَ أَنْ أُتِي بِهَا، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ. فَقالَ لَهُ قَائِلٌ: جُعِلْتُ فِدَاك أَلَيسَ قُلْتُ: لأَشْكرَنَّ الله حَقَّ شُكرِهِ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِالله عليه السّلام: أَلَمْ تَسْمَعْنِي قُلْتُ: الحَمْدُ للهِ». (الاربعون حديثاً، ص397-398).

من الواضح ان ما حصل للامام الصادق (ع) لدى العبادة لايمكن ان يحصل للاخرين. (الاربعون حديثاً، ص489).

وفي الحديث عن الامام الحسين بن علي والصادق صلوات الله عليهما: أَنَّهُمَا كانَا يتَصَدَّقَانِ بِالسُكّرِ وَيقُولانِ إِنَّهُ أَحبُّ الأَشْياءِ إِلَينَا وَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى “لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ” (آل عمران/92). (الاربعون حديثاً، ص546-547).

روي أن الامام الصادق (ع) وقبيل موته جمع عدداً من أقاربه حوله وقال لهم: في يوم القيامة لاينفع أحدٌ قرابته من الصادق سواء كان ابنه أو أخيه أو زوجته، فالقرابة لاتقدّم ولا توخّر وإنما العمل الصالح، فالكلّ يأتي يوم القيامة إلي بعمله. (صحيفة الإمام (ترجمة عربية)، ج‏9، ص:331).

الامام الصادق سلام الله عليه، الذي قام بنشر المذهب وعرض الإسلام والدعوة إلى الانتقال من الشرك والالحاد وعبادة النيران وجميع أنواع الفساد إلى الاستقامة والتوحيد في مكانٍ حكمته الأصنام بدلًا من حكم الله وفي عصر عبدت فيه النيران بدلًا من حمد الله تعالى. (صحيفة الإمام (ترجمة عربية)، ج‏14، ص: 9).

الرسول الأكرم بركة لم يأت مثلها في العالم من أول الخلق إلى آخره ولن يأتي موجود مبارك مثله أيضا. إن هذا الموجود المبارك هو أشرف الموجودات وأكمل الناس ومربي البشر الأكبر وإن ذريته الطاهرة وخاصةً الإمام جعفر الصادق (ع)، هم مبينوا أحكام الإسلام وأفكار الرسول الأكرم (ص). (صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج‏14، ص:13).

والإمام الصادق (ع) قد فسح له المجال لينشر علم الفقه ووسعه ويبينه، وكذلك بعض المسائل غير الفقهية. لكن إنشغاله كان بالعلوم التي لايمكن أن تبقى معطّلة، وبعلم الشريعة. ومع هذا لم يدعوه، ولم يكن للعلوم حملة. كان هنا حملة للفقه أما تلك العلوم فلم يكن لها حملة. (صحيفة الإمام (ترجمة عربية)، ج‏19، ص:15).

إنّ هذا الفقه الوارد في الكتاب والسنة والذي بين الامام الصادق (ع) غالبيته يلبي جميع الاحتياجات الظاهرية والمعنوية والفلسفية والعرفانية لكافة البشر الى‏يوم القيامة، نعم هذا هو مضمون القرآن الكريم، وهو كاشف عن هؤلاء العظام فلا نستطيع نحن أن نثني عليهم بما يليق بشأنهم‏. (صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج‏20، ص:330.

وفي الختام نبارك لكل المستضعفين والمحرومين ولجميع شعوب العالم وخصوصاً المسلمين بمناسبة هذا العيد السعيد.

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال