يبدو أنّ نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي “تتعربش” حُكومته بالحُكم بأغلبيّة صوت واحد، عربي فِلسطيني إسلامي للأسف، أعماه الغُرور والغطرسة عن إجراء قراءة صحيحة للتطوّرات المُتسارعة في منطقة الشّرق الأوسط، والجُغرافيا السوريّة على وجه الخُصوص، ودليلنا الأبرز الذي يُؤكّد هذه الحقيقية تلك التّصريحات التي أدلى بها أمس أثناء مُشاركته في مُنتدى نظّمته صحيفة “ميكور ريشون” اليمينيّة المُحافظة عن مُستقبل مُرتفعات الجُولان المُحتلّة.
نشرح أكثر ونُشير إلى أقواله التي كرّرها من على منبر هذه النّدوة التي أكّد فيها جازمًا “أنّ إسرائيل ستحتفظ بهذه المُرتفعات حتى لو تغيّرت المواقف الدوليّة تُجاه سورية”، وختم كلمته بالقول “مُرتفعات الجُولان إسرائيليّة انتهى الكلام”.
ما لا يُدركه بينيت، وكُل حُلفائه في المُعسكر اليميني الإسرائيلي العُنصري التوسّعي المُتطرّف، أنّ الظّروف التي مكّنت دولته من احتِلال هضبة الجولان قبل 55 عامًا غير الظّروف الرّاهنة، سياسيًّا، وعسكريًّا، وعربيًّا ودوليًّا أيضًا، فسِلاح الجوّ الإسرائيلي المُتطوّر الذي حسم حرب عام 1967 في ساعاتٍ معدودة، فقد مُعظم عناصر حسمه، والجيش العربي السوري الذي صمد لأكثر من عشرة أعوام، ونجح في إحباط مُؤامرة شاركت فيها 65 دولة بزعامة أمريكا، واستعاد مُعظم الأراضي السوريّة، هو غير الجيش العربي السوري الذي خسر هضبة الجُولان في حربٍ لم يكن مُؤهَّلًا لها بالشّكل العسكريّ المطلوب، كما أنّ إسرائيل التي هزمت العرب في تلك الحرب ترتعد الآن من صاروخٍ سوريّ أو لبنانيّ واحِد (حزب الله) يضُلّ طريقه إلى عُمقها ولو بالخطأ مثلما حصل قبل بضعة أشهر، ونحن لا نتحدّث هُنا عن ترسانة صواريخ “حزب الله”، ولا عن شقيقاتها صواريخ فصائل المُقاومة “المُجرّبة” في قِطاع غزّة التي عزلت إسرائيل ومُستوطنيها عن العالم لأكثر من 11 يومًا كان يُمكن أن تطول لولا هرولة جو بايدن رئيس أمريكا إلى القاهرة طالبًا التوسّط لوقف الحرب فَورًا.
***
لا يُمكن أن نتجاهل الغارات الصاروخيّة الإسرائيليّة التي تستهدف العُمُق السّوري بين الحِين والآخَر، وسط صَمتٍ روسيّ، وعدم ردٍّ سوريّ إيرانيّ فوريّ، ولكن مثلما انقرضت مقولة “إنّ الأسد سيَسْقُط سِلمًا أو حربًا”، أو نظيرتها الأُخرى “العيد القادم في دِمشق بإذن الله”، ستنسحب القوّات الإسرائيليّة مهزومةً من هضبة الجُولان، وكُلّ الأراضي العربيّة المُحتلّة، بغضّ النّظر عن لون الحافلات التي سيستقلّها مُستوطنوها.
فإذا كانت أمريكا العُظمى انهزمت في أفغانستان، وسحبت قوّاتها بطَريقةٍ فوضويّةٍ مُذلّة ستَظلّ تُشَكِّل وصمة عار في تاريخها، وبدأ المشهد نفسه على وشك التّكرار في العِراق في الأيّام القليلة المُقبلة، فلماذا يكون الجيش الإسرائيلي الذي يستمدّ قُوّته وسِلاحه ووجوده من نظيره الأمريكي استثناءً؟ ألا تملك أمريكا آلاف الرؤوس النوويّة وعشَرات الآلاف من الدبّابات والطّائرات، وأساطيل ضخمة تَضُم للعديد من حامِلات الطّائرات، ناهِيك عن الغوّاصات النوويّة؟
لنَبتعِد عن الخوض في الجوانب العسكريّة المُعقّدة، ونستخدم لغة العقل في التٍحليل، ونُوضّح أنّ جميع الصّواريخ التي تملكها فصائل المُقاومة في جنوب لبنان، وقِطاع غزّة، والحشد الشعبي في العِراق، وأنصار الله في اليمن، وجميعها أثبت قُدرات عالية جدًّا، وهزمت “الباتريوت” ومنظومة “ثاد” الصاروخيّة الأمريكيّة (في السعوديّة)، والقبب الحديديّة في فِلسطين المُحتلّة، جميع هذه الصّواريخ، وما هو أكثر منها تَطَوُّرًا موجودة في مخازن الجيش العربي السوري، وبكميّاتٍ أضخم، والمسألة مسألة “صبر استراتيجي”، وكظم للغيْظ، انتِصارًا للوَقت والتّوقيت المُناسبين، وهُما قادِمان حتمًا، فمَن كان يتَوقّع أن تعود حلب وحمص ودرعا إلى السّيادة السوريّة؟
سورية اليوم تخرج من عُنُق زجاجة العشريّة السّوداء، أكثر قُوّةً وخبرةً وصلابةً رُغم حجم المُعاناة والأزمات الاقتصاديّة التي عانَى، ويُعاني، منها الشّعب السوري فالشّعوب لا تصنع أقدارها، ولكنّها تستطيع بالإرادة القويّة والصّمود والصّبر، التصدّي لها والانتِصار عليها بأقلّ قَدرٍ من الخسائر.
الفارق الكبير بين سورية يوم سُقوط الجُولان، وبين الأيّام الحاليّة والقادمة التي ستشهد تحريرها وطرد المُحتل الإسرائيلي منها، أنّها تنتمي حاليًّا إلى محور مُقاومة يمتلك صواريخ، وغوّاصات، وطائرات مُسيّرة مُتطوّرة جدًّا، وجُيوش، وأذرع مُقاومة فاعلة ومُجرّبَة، وجميع هذه الأسلحة والمَعدّات مُصنّعة ذاتيًّا، وليست مُستوردة، والأهم من كُل هذا وذاك، أنّ هُناك قِيادات تملك الإرادة المُستقلّة، ولا تهاب اتّخاذ قرار الرّد، ولعَلّ حرب “سيف القدس” الأخيرة تجسيدًا عمليًّا لما نقول.
***
ما نُريد أن نقوله لبينيت، وكُلّ العُنصريين المُتغطرسين الآخرين، إنّ دولته لم تنتصر في جميع حُروبها مُنذ عام 1967، وإنّ الدّول، أو بالأحرى، الحُكومات العربيّة التي سقطت في مِصيَدة التّطبيع الخِيانيّة، وكانت جُزْءًا أصيلًا في المُؤامرة التي كانت تهدف إلى تدمير سورية وتفتيت وحدتها الترابيّة، تصطفّ حاليًّا في طابورٍ طويلٍ للتّوَدُّد لها، وفتح الحُدود وإعادة العُلاقات معها.
ونزيده من الشّعر بيتًا، أنّ المملكة العربيّة السعوديّة التي ضخّت مِئات المِليارات في هذه الحرب من أجل فكّ الارتِباط بينها أيّ سورية وبين إيران، ها هي تتفاوض مع إيران، مُنذ أشهر، والمُفاوضات تُحَقِّق تقدّمًا مُضّطَرِدًا، حسب تصريحات المسؤولين في البلدين، والفضل في كُل ذلك يعود إلى التّكنولوجيا الصاروخيّة الإيرانيّة التي وصلت إلى كُهوف صعدة وقمم جِبالها، وقبلها إلى جنوب لبنان وقِطاع غزّة.. والقادم أعظم.
الجُولان عربيّة سوريّة، وستعود إلى الحُضن السوري، مثلما عادت المُدُن السوريّة الأُخرى، مهما طالَ أمَد الاحتِلال ومعها الأراضي الفِلسطينيّة، كُلّ الأراضي الفِلسطينيّة.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال