نعم.. القرداحي لم يخطِئ حتّى يعتذر 19

نعم.. القرداحي لم يخطِئ حتّى يعتذر

يتعرّض السيد جورج قرداحي، وزير الإعلام اللبناني إلى حملةٍ “إرهابيةٍ” شرسة في الوقت الرّاهن من قِبَل المملكة العربية السعودية، وبعض دول الخليج الفارسي تطالب الحكومة اللبنانية بفصله من منصبه، مثلما تطالبه بالاعتِذار رسمياً لأنّه تجرّأ وقال نِصف الحقيقة عمّا يجري في اليمن من قتلٍ وتجويعٍ وحِصارٍ لشعبه منذ ما يقرب من الثّماني سنوات، وإلا فإنّ عليها، أي الحكومة اللبنانية، تحمّل كلّ العواقب.
إنّها “المكارثية” الجديدة في أسوأ أشكالها في تكميم الأفواه، ومحاكاة متطابقة مع أساليب العنصرية الإسرائيلية أيضاً، أي النّبش في تاريخ الشّخص، واخراج بعض التّصريحات القديمة عن سِياقها، وتوظيفها لإدانته وتشويه صورته، والقصاص منه.

الجريمة الكبرى التي ارتكبها الوزير قرداحي، ولن تَغفِرها له هذه الدّول، وأدّت إلى استِدعاء سفراء وإصدار السيد نايف الحجرف، أمين عام مجلس التعاون الخليجي، أصدر بياناً رسمياً وصف فيه تصريحات القرداحي بأنّها “تَعكس فهماً قاصِراً وقراءةً سطحيةً للأحداث ويجب عليه الاعتِذار”، عندما قال، أي القرداحي، في مقابلةٍ قبل شهر من تعيينه في منصبه “إنّ الحوثيين يدافعون عن أنفسهم ضدّ الاعتِداءات السعودية والإماراتية، وإنّ هذه الحرب في اليمن عبثية ويجب أن تتوقّف”.

عندما نقول إنّ الوزير قرداحي لم يقل إلا نِصف الحقيقة لأنّه لم يذكر في هذه المقابلة أنّ غارات التّحالف السعودي الإماراتي أدّت لإستِشهاد 250 ألف يمني، وإصابة أربعة أضعاف هذا الرّقم، وتدمير مستشفيات ومدارس، ودور حضانة وأسواق عامّة، وقصف مجالس عزاء، وصالات أفراح، والقائمة طَويلةٌ وموثّقة.

لا نعرف أين هو الجهل الفاضِح الذي تعكسه تصريحات السيد قرداحي المذكورة آنِفاً حسب توصيف كل من أمين عام مجلس التعاون الخليجي والسيد معمر الأرياني وزير الثقافة اليمني، وأين هو الانحِياز الأعمى إلى جانب الميليشيات الحوثية، فالجهل في نظَرنا، والمَلايين من أمثالنا، يكمن في عدم الاعتِراف بمن بدأ هذه الحرب، وأطلق “عاصفة الحزم”، وأرسل مِئات الطّائرات لقصف اليمن، ولا يستطيع حتّى الآن حسمها، أو الخروج منها، ويتفاوض حالياً مع الإيرانيين الذين كانوا بالأمس “مجوساً” و “عبَدَة نار” و “رافضة”، لإيجاد مَخرجٍ منها ويتمنّى الحِوار مع الحوثيين.

اللبنانيون، وخاصَّةً الذين يقفون في خندق بعض دول الخليج الفارسي، يتحمّلون مسؤولية كل تطاول وإذلال لبلدهم ومؤسّساتهم ورموزهم عندما “صمَتوا”، وما زالوا، على اعتِقال سعد الحريري رئيس وزرائهم، وضربه وإهانته، وإجباره إعلان استِقالته على الهواء مباشَرةً، ولم ينتصر له إلا الرئيس عون ومحور المقاومة، وعلى رأس هؤلاء الصّامتين السيد الحريري، ووقفوا للأسف في خندق المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية التي فرضت حِصاراً اقتصادياً تجويعياً على بلدهم، تواطأت فيه بعض دول الخليج الفارسي التي لم ترسِل برميل نفط واحد لإعادة الحَد الأدنى من متطلّبات الحياة إليه.

لا نعرف السيد قرداحي شخصياً، وإن كنّا نعرف سيرته الإعلامية، ولسنا من أصدقائه، ولم نلتقيه إلا مرّةً واحدةً عرضاً في حياتنا المهنية، ولكنّنا نتضامن معه في مواجهة هذه الحمَلات الإرهابية الإعلامية، ورفضه الاعتِذار والخضوع للإبتِزاز، فالكرامة الشخصية والوطنية فوق كلّ الاعتِبارات الأخرى، مثلما كنّا نتمنّى أنّ هذه الحملة ضدّه وبلده الضّعيف المحاصَر المجوّع، كانت ضدّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وصف هؤلاء بأنّهم بقرة حلوب، لا يملكون غير المال، وأنّه لا يبقون في مناصبهم يوماً واحِداً دون حمايته، واستخدم توصيفات نتعفّف عن ذِكرها في هذا المكان، ولأنّ لبنان الضّعيف حيطة واطية في نظرهم يسْهل الاستِئساد عليه.

الوزير قرداحي أصاب كبِدَ الحقيقة في رأينا، عندما قال في مؤتمره الصّحافي اليوم “لم أخطِئ حتّى أعتذر ولا يجب أن نبقي في لبنان عرضَةً للابتِزاز لا من دول ولا من سفراء ولا من أفراد، وهم يملون علينا من يبقى ومن لا يبقى في الحكومة.. ألسنا دولةً ذات سيادة”.

هذا الموقف الشّجاع المشرّف يجب أن يحظى باحتِرام وتقدير كلّ الزّملاء الإعلاميين والسّياسيين من كلّ المشارب وألوان الطّيف السّياسي، في لبنان والعالم العربي، حتّى في دول الخليج الفارسي، لأنّه ينحاز إلى الحقيقة ويؤكد على السّيادة اللبنانية، ويرفض كلّ أشكال التّرهيب والابتِزاز، وكلّ أشكال الغطرسة والتنمّر.

قد يخسر السيد قرداحي منصبه الوزاري، ويوضَع على اللّائحة السّوداء في بعض دول الخليج الفارسي أو كلّها، ويحارَب في لقمَة عيشه وأطفاله، وتغلَق في وجهه كل أو معظم القنوات الخليجية، وربّما بعض العربية أيضاً، ولكنّه كسب عزّة نفسه، وحافظ على كرامته ودولته، قولوا ما شئتم، والحياة وقفة عز. 

لمصدر: الوفاق

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال