آخر مرة تحدث فيها الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، كانت في 3 كانون الثاني 2021. وكان موضوع الاجتماع الذي عقد في البيت الأبيض هو البرنامج النووي الإيراني.
وقتها، وقبل هذا الموعد، انخرط ميلي في محاولة لضمان عدم شروع ترامب في صراع عسكري مع إيران، كجزء من حملته لإلغاء نتائج انتخابات عام 2020 والبقاء في السلطة. وكان يخشى، بحسب مجلّة «نيو يوركر» أن يصرّ ترامب على شن ضربة ضد المصالح الإيرانية، والتي يمكن أن تؤدي بدورها إلى حرب شاملة.
يومها، قال ميلي لمساعديه إن هناك «سيناريوهين كارثيين»، للفترة التي تلت انتخابات 3 تشرين الثاني، والتي أسفرت عن هزيمة ترامب لا تنازله؛ السيناريو الأول هو أن ترامب سيحاول «استخدام الجيش في شوارع أميركا لمنع النقل المشروع والسلمي للسلطة»؛ أما الثاني فقد كان أزمة خارجية تتعلق بإيران.
كان ميلي يعتقد أن «الأمة الأميركية قد باتت قريبة جداً من الصراع مع الجمهورية الإسلامية». واعتبر أن هذه الفترة الخطيرة جداً بعد الانتخابات، كانت كلها، بسبب احتضان ترامب (هتلر) بحسب ميلي «للكذبة الكبرى» بأن الانتخابات قد سرقت منه. كان ميلي يخشى أن تكون «لحظة رايخستاغ» التي عاشها ترامب، مثل أدولف هتلر عام 1933، هي لتصنيع أزمة من أجل الانقضاض عليها وإنقاذ الأمة منها.
ولمنع مثل هذه النتيجة، عقد ميلي، أواخر عام 2020، اجتماعات هاتفية صباحية في معظم الأيام، مع رئيس موظفي البيت الأبيض، مارك ميدوز، ووزير الخارجية مايك بومبيو، على أمل الوصول بالبلاد بأمان إلى حفل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن. وأشار ميلي، وهو جنرال بأربع نجوم كان ترامب قد عينه في هذا المنصب عام 2019، إلى أن هذه الاجتماعات تشبه الهبوط بالطائرة في حالة الطوارئ: «مهمتنا هي الهبوط بهذه الطائرة بسلام والقيام بنقل سلمي للسلطة في 20 كانون الثاني».
تزايدت هذه المواجهة غير العادية بين المسؤول العسكري الأعلى في البلاد والقائد العام للقوات المسلحة طوال عام 2020. قبل الانتخابات، كان ميلي قد صاغ خطة لكيفية التعامل مع الفترة المحفوفة بالمخاطر التي سبقت التنصيب. وعليه، حدد أربعة أهداف: أولاً، التأكد من أن الولايات المتحدة لن تذهب من دون داع إلى الحرب في الخارج. ثانياً، التأكد من عدم استخدام القوات الأميركية في شوارع أميركا ضد الشعب الأميركي بغرض إبقاء ترامب في السلطة. ثالثاً، الحفاظ على نزاهة الجيش. وأخيراً، الحفاظ على سلامته.
ومع ازدياد حدة الأزمة مع ترامب، بدا أن المخاوف بشأن عدم قبول الرئيس للهزيمة قد تحققت، وبناءً عليه، التقى ميلي مراراً وتكراراً على انفراد مع هيئة الأركان المشتركة، وأخبرهم أن يتأكدوا من عدم وجود أوامر غير قانونية من ترامب، وألا ينفذوا أي أوامر من هذا القبيل من دون الاتصال به أولاً. إضافة إلى عدم التصرف بناءً على أي أوامر من البيت الأبيض، لشن ضربة نووية من دون التحقق أولاً منه أو الحديث مع مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر.
في أحد الاجتماعات مع هيئة الأركان المشتركة، في مكتب ميلي في البنتاغون، استند الأخير في حديثه إلى العبارة الشهيرة لبنيامين فرانكلين: «يجب عليهم جميعاً أن يتحدوا».
وقال في اجتماع مع بعض أعضاء الكونغرس المعنيين، بمن فيهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وزعيم الغالبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، وكذلك مبعوثين من إدارة بايدن المقبلة: «قد يحاول ترامب الانقلاب، لكنه سيفشل. ولاؤنا لدستور الولايات المتحدة، ولن نتدخل في السياسة».
هذه الرواية هي عن صراع خلف الكواليس حول الحرب مع إيران، بين ميلي وترامب الذي رفض بشكل غير مسبوق قبول نتائج الانتخابات الرئاسية. جاءت هذه الرواية من بعد ما يقرب من مائتي مقابلة، مع مجموعة متنوعة من المصادر، التي أعدت من قبل سوزان غلاسر من مجلّة «نيو يوركر» وزوجها مراسل صحيفة «تايمز» بيتر بيكر، لكتاب عن رئاسة ترامب سينشر العام المقبل.
كما تم الكشف عن تفاصيل أخرى ذكرت حول تصرفات ميلي في الأيام الأخيرة، من قبل مؤلفي كتابين جديدين عن ترامب والعام 2020، وهم مايكل بندر، من صحيفة «وول ستريت جورنال» وفيليب روكر وكارول ليونيغ، من صحيفة «واشنطن بوست». وبناءً على روايتهم أصدر ترامب بياناً، رد فيه: «لم أهدد أبداً، أو أتحدث مع أي شخص، بانقلاب على حكومتنا». وأضاف: «إذا كنت سأقوم بانقلاب، فإن آخر الأشخاص الذين أريد أن أفعل ذلك معهم هو الجنرال مارك ميلي». وقال ترامب إنه اختار ميلي لهذا المنصب فقط، لأنه أراد أن يزعج وزير دفاعه آنذاك، جيم ماتيس، الذي قال إنه «لا يستطيع الوقوف معه».
كان ميلي، وهو المستشار العسكري الأول للرئيس، قلقاً من أن ترامب قد يحرك صراعاً واسع النطاق لم يكن له ما يبرره. وكان يحيط بترامب دائرة من ما سموا بـ«صقور إيران» وكان مقرباً جداً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان يحث الإدارة الأميركية أيضاً على التحرك ضد إيران، بعد أن اتضح أن ترامب خسر الانتخابات. «إذا فعلت ذلك، ستكون لديك حرب لعينة»، يقول ميلي.
وأخيرا، في 3 كانون الثاني بعد أن عاد ترامب جواً من عطلة عيد الميلاد في مار لاغو، عقد المكتب البيضاوي اجتماعاً حول إيران، وسأل مستشاريه عن التقارير الأخيرة الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الأنشطة النووية الإيرانية. وقال كل من وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي، روبرت أوبراين، لترامب إنه من غير الممكن القيام بأي شيء عسكرياً في تلك المرحلة. وكان موقفهم هو أن «الأوان قد فات لضربهم». وبعد أن مر ميلي بكل هذه التفاصيل، وافق ترامب على ذلك. وكان ذلك، بعد أشهر من القلق وعدم اليقين: «انتهت معركة إيران»، بحسب ميلي.
وبعد ثلاثة أيام فقط، في 6 كانون الثاني، عرض على ميلي نسخة من سيناريو كارثي: هجوم على مبنى «الكابيتول» من قبل حشد مؤيد لترامب، يسعى من خلاله إلى منع الكونغرس من التصديق على فوز بايدن. لم يتصور ميلي ذلك. كانت مخاوفه إلى حد كبير حول العنف في الشوارع، والتي شملت معارك بين الموالين لترامب والمعارضين اليساريين، وقد يستخدمها ترامب كذريعة للمطالبة بالأحكام العرفية.
في عقل ميلي، كان المشهد يتشابه مع ما حصل في ألمانيا في الثلاثينات من القرن التاسع عشر. وقال ميلي وقتها: «كان لترامب لحظة الرايخستاغ بعد كل شيء».
المصدر:الأخبار
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال