مع قدوم ترامب وفوزه في انتخابات الولايات المتحدة، قدم وعدًا بفرض تعريفات جمركية عالية على المنتجات المستوردة من عدة دول حول العالم. وكان قد ذكر العديد من المبررات مثل تهريب المخدرات ودخول المهاجرين غير الشرعيين واغلاق الحدود. ومع ذلك قد لا تكون هذه القضية بسيطة كما يعتقد ترامب وقد تتحمل الولايات المتحدة أيضًا تكاليف باهظة جراء هذا الإجراء.
خلال فترة رئاسته السابقة واجهت الولايات المتحدة برئاسة ترامب العديد من التحديات وخسرت الكثير من التعاونات الدولية للولايات المتحدة من خلال إصدار مجموعة من القوانين التنفيذية مما أدهش قادة العالم. ومع ذلك يبدو أن النظام الدولي في هذه الفترة لديه الاستعدادات اللازمة لتقليل الأضرار التي قد تنجم عن قرارات ترامب المستقبلية.
علاوة على ذلك يجب القول إن نهج الرئيس الأمريكي الجديد يركز على إحياء الاقتصاد وخلق فرص العمل في البلاد. وهذا الموضوع يزيد من تعقيد القرارات المحتملة لترامب. إذا قرر فرض تعريفات جمركية على المنتجات الصينية والكندية والمكسيكية فمن المؤكد أنه يجب أن يتوقع ردود فعل مماثلة وعواقب لذلك. على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تمتلك اقتصادًا يعتمد على الصادرات فإن العديد من الشركات الأمريكية تستورد المواد الخام لمنتجاتها وإذا قررت دول أخرى مواجهة الولايات المتحدة فإن تكلفة الإنتاج بالنسبة للأمريكيين ستزداد، وفي النهاية ما يسعى إليه ترامب من نمو اقتصادي وخلق فرص عمل لن يتحقق.
كما أن بعض حلفاء الولايات المتحدة يشعرون بالقلق حيال قرارات الحكومة الأمريكية الجديدة. حيث عبّر البنك المركزي الأوروبي عن قلقه من احتمال فرض الولايات المتحدة تعريفات جديدة على بعض المنتجات المستوردة من أوروبا، بينما قد لا تكون اليابان وكوريا الجنوبية راضيتين عن وجود ترامب في البيت الأبيض. في هذا السياق قام البنك المركزي الكوري الجنوبي بتعديل توقعاته الاقتصادية للعام الجديد وأعلن عن انخفاض النمو الاقتصادي نظرًا لوجود ترامب وقام بتغيير بعض السياسات الاقتصادية طويلة المدى. وقد أوضحوا أن السبب وراء ذلك هو حماية اقتصادهم من الإجراءات المحتملة للحكومة الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك انخفضت قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى في هذه الأيام مما يدل على عدم الثقة الكافية في الأسواق المالية تجاه الحكومة الأمريكية الجديدة. على الرغم من أن سوق المال استجاب إيجابيًا لانتخاب وزير المالية في الحكومة الأمريكية، إلا أنه من الواضح أن الأمر ليس بهذه البساطة التي يتخيلها ترامب. ويعتقد بعض المحللين أيضًا أن ترامب بدلاً من السعي لتحقيق وعوده يسعى لاستغلالها كأداة للمساومة في المفاوضات. هذه النظرة يمكن أن تكون صحيحة بشكل خاص فيما يتعلق بالحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة مثل أوروبا. في الواقع تسعى الحكومة الأمريكية الجديدة إلى تحقيق أقصى الفوائد بأقل التكاليف بهدف البقاء كأول قوة اقتصادية في العالم.
في هذا السياق يمكن أن تكون الحكومة الأمريكية الجديدة ونهجها فرصة جيدة للغاية لدولة مثل إيران في حال تمكنت إيران من التوصل إلى لغة وفهم مشترك مع القوى الكبرى والدول الإقليمية حول أهمية التعاون الإقليمي والعالمي في قضايا مهمة مثل الإرهاب، وتغير المناخ وأزمة المهاجرين فإن لديها الفرصة لتكون لها الكلمة العليا في المفاوضات المحتملة مع الولايات المتحدة.
في الواقع يمكن لإيران أن تحوّل بعض التغييرات في سياساتها من تهديد إلى فرصة. ويجب على إيران تحديد القضايا المهمة والاهتمامات الرئيسية للقوى الكبرى والانخراط في الحوار بناءً عليها. ومن بين هذه القضايا الحرب في أوكرانيا وتأمين الطاقة والممرات الاقتصادية وغيرها من الموضوعات التي يمكن لإيران استغلالها للوصول إلى فهم مشترك مع القوى الكبرى. إذا استطاعت إيران أن تعزز مكانتها في النظام الدولي بطريقة عملية، فإن ذلك سيسمح لها بإجراء حوار مع القوى الكبرى من موقف شبه متساوٍ مما قد يمهد الطريق لتأمين مصالحها الوطنية.
ومع ذلك تواجه إيران تحديًا كبيرًا يتمثل في عرقلة النظام الإسرائيلي، ويتعين عليها الحفاظ على مستوى أمني يحول دون السماح لأي نشاط أو رد عسكري وهو ما تتوقعه إسرائيل. في الواقع يجب أن تكون إيران قادرة على تقييم الوضع بدقة واتخاذ إجراءات فورية لمنع أي أضرار محتملة ضدها. لذا يمكن أن تؤدي السياسات الاقتصادية والسياسية للحكومة الأمريكية الجديدة إلى تهية فرصة جيدة للجمهورية الإسلامية لتحسين موقعها في المنطقة وفي النظام الدولي في الوقت الذي تدفع فيه تلك السياسات الاقتصاد العالمي نحو حرب تجارية وتسبب في حدوث ركود اقتصادي عالمي، وذلك من خلال الاعتماد على القلق واستغلال الخوف وعدم توقع سير للأحداث من قبل الحكومة الأمريكية.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال