هكذا خططت المؤسسة الإسرائيلية لفلسطينيي الـ ٤٨ وهكذا فشلت 18

هكذا خططت المؤسسة الإسرائيلية لفلسطينيي الـ ٤٨ وهكذا فشلت

كثيرة هي الكتب والأبحاث التي درست القضية الفلسطينية قبل الإحتلال الإسرائيلي وبعده لكن قليل منها تعمق في قضية الفلسطينيين الذين لم يغادروا أراضيهم في العام ١٩٤٨ والذين تحولوا إلى هاجس ديمغرافي اليوم للإحتلال الإسرائيلي.

لن أكون مبالغا إذا قلت أن هبة الأول من أكتوبر في العام ٢٠٠٠ والتي أدت إلى إستشهاد ثلاثة عشر فلسطينيا دفعت بالكثيرين لدراسة الأبعاد الإجتماعية والسياسية والإقتصادية لهؤلاء الذين كان عددهم في العام ١٩٤٨ مئة وخمسين الفا وتجاوزوا اليوم المليون وسبعمائة ألف نسمة يتوزعون بين المدن والقرى العربية والمدن المختلطة.
المؤسسة الإسرائيلية لم تكن غافلة عن خطورة هؤلاء والدليل أنها وضعتهم بعد العام ١٩٤٨ وحتى العام ١٩٦٦ تحت حكم عسكري صارم وظالم فرض عليهم التنقل بناء على تصاريح خاصة تصدر من الحاكم العسكري الإسرائيلي ، لكن هذه المؤسسة ومع حالة التكاثر الطبيعية لهؤلاء حاولت أن تذهب إلى نموذج الأسرلة وتوجيه ضربات إحترازية لهم ، من خلال سلخهم عن محيطهم الفلسطيني والإسلامي وفرض أسلوب حياة لا يرتقي إلى الإسرائيلي اليهودي لكنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالحياة الإسرائيلية بشكل عام ، هذه النظرية وضعها اليسار الإسرائيلي الذي حاول ضم عددا من هؤلاء الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام ٤٨ إلى أحزابه ليتحولوا – هكذا ظن – إلى مدافعين عن كيان الإحتلال بلغة وقومية أخرى ، وكانت الرؤية تقوم على أن دفع الفلسطينيين للمشاركة في الكنيست الإسرائيلي سيمنح الإحتلال شرعية أمام العالم بأنه ديمقراطي وأن (اسرائيل ) دولة لكل مواطنيها ، لكن ولأن الفكرة الصهيونية هي فكرة عنصرية بطبيعتها فإنها لم تستطع أن تغير من جلدها في التعامل مع هؤلاء الفلسطينيين ، لكن سببا أخر قد يكون حاضرا في إفشال المخطط الإسرائيلي وهو التواصل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وإذا أردنا أن نقسم الفشل الإسرائيلي في الأسرلة إلى محطات فيجب أن نبدأ بمحطة يوم الأرض في الثلاثين من اذار عام ١٩٧٦ عندما حاول الاحتلال السيطرة على أراض في منطقة الجليل فهب الفلسطينييون يومها في أول مواجهة شعبية أدت إلى سقوط شهداء وجرحى ومعتقلين وتوزيع تهم بالانتماء لأحزاب فلسطينية مقاومة مثل حركة فتح والجبهتين الشعبية والديمقراطية ، أما المحطة التي غيرت المؤسسة الامنية الاسرائيلية خططها في إثرها فكانت هبة أكتوبر في العام ٢٠٠٠ مع إندلاع شرارة الإنتفاضة الثانية وسقوط ثلاثة عشر فلسطينيا في الداخل معظمهم من الشباب اليافع في مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود ، بعد هذه المواجهة سقطت نظرية الأسرلة الى الأبد وتبين أن نظرية سلخ هؤلاء الفلسطينيين عن محيطهم بات أمرا مستحيلا ،هنا لجأت المؤسسة الاسرائيلية إلى مخطط آخر عنوانه ((تدمير الذات )) فكان لا بد أولا من تهميش التجمعات الفلسطينية في الداخل وغض الطرف عن الجريمة وعدم محاربتها لا بل تعزيزها في كثير من الأحيان ونشر الفوضى في المدن والقرى الفلسطينية وتحويلها إلى تجمعات عشوائية محكومة من المافيا ، وعليه بات الهم الأكبر للفلسطينيين في الداخل محاربة الجريمة فيما بينهم واللجوء إلى الأمن الإسرائيلي للمساعدة في محاربتها ، عند هذا الحد كانت المؤسسة الإسرائيلية راضية عن ذاتها ظنا منها أنها فرضت على هؤلاء الفلسطينيين قضية أكبر منهم قادرة على أن تشغلهم وتبعدهم عن حالة الإندماج مع المحيط الفلسطيني والعربي والإسلامي ، لتأتي المحطة الاخيرة وهي حرب غزة في أيار من العام الحالي وأعتقد أن المؤسسة الإسرائيلية توقفت عندها كثيرا لاسيما مع الإشتباكات التي حدثت في المدن الفلسطينية وحتى المختلطة والتي أثبتت من جديد أن الفلسطيني هو ذاته الفلسطيني أينما كانت الجغرافيا التي يقف عليها ، الحالة التي شهدتها المناطق المحتلة في العام ١٩٤٨ في أيار الماضي جعلت المنظّرين والباحثين والسياسيين والإقتصاديين في كيان الاحتلال يقفون كثيرا ويفكرون أكثر في المعركة المقبلة والتي ستكون إحدى جبهاتها الفلسطينييون في المناطق المحتلة عام ٤٨ ، لا أستطيع أن أجزم بماذا تفكر المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية اليوم لكن ما أستطيع تأكيده أنهم متأكدون من فشل مخططاتهم التي إمتدت على مدار ٧٣ عاما في تحويل هؤلاء من فلسطينيي الداخلُ المحتل الى عرب ( اسرائيل ).

 المصدر: العالم

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال