– منذ العام 2000 والعالم يعيش إيقاع صعود حركتين، حركة يقودها الرئيس فلاديمير بوتين في روسيا، وحركة يقودها السيد حسن نصرالله في لبنان، وقد اعتمدت كل منهما منهجاً خاصاً ومختلفاً وجديداً في صناعة التوازن، وصولاً لتحقيق التفوق الاستراتيجي، ما أتاح لهما التربع على عرش القوة، وتغيير قانون الحرب.
– انطلق بوتين من روابط الدين والقومية التي تجمع مواطنيه على استعادة أمجاد تاريخ العظمة التي أصيبت في الصميم مع انهيار الاتحاد السوفياتي، ما أعقبه من إذلال ومهانة للروس بصفتهم ينتمون للدولة الروسيّة لا غير، واستثمر بوتين على هذه النهضة ليبني معادلة القوة على توظيف الأصول الثابتة للأمة الروسية، بوجه معادلات العالم الافتراضي التي تصنع قوة الغرب. فاستند إلى الطاقة البشرية لبناء جيش مقاتل يستعدّ ضباطه وجنوده للموت والتضحية، مقابل شركات متخصصة للخدمات العسكرية والأمنية واللوجستية وشركات تجنيد المرتزقة والجامعات الإرهابية الرديفة القابلة للتوظيف مثل تنظيمات داعش والقاعدة وفرق النازيين الجدد، تحل مكان الجيش الوطني بمفهومه المتوارث من الحربين العالميتين، ووظف بوتين موارد روسيا من الأصول الثابتة في المعادن والخامات والقمح والحبوب والنفط والغاز، لتكوين اقتصاد يخدم بناء فائض القوة الذي تستدعيه الحروب، مقال اقتصاد المصارف والأسهم والبورصة الذي يستند إليه الغرب ويسيطر عبره على العالم.
– بالتوازي انطلق السيد نصرالله، من منسوب الكرامة الذي حملته ومثلته المقاومة وعزّزه انتصارها الأول في تحرير الشريط الحدودي المحتل عام 2000، وانتصاره بالصمود والثبات والقدرة على منع جيش الاحتلال من دخول الأرض اللبنانية وتحقيق أهدافه بتدمير المقاومة عام 2006، ومعادلات الردع التي أنتجتها الانتصارات، لتشكيل نواة جيش صغير لا ينام وهو يتجهّز ويستعدّ بكل ما تحتاجه منازلة حاسمة مع الكيان الذي يمثل صفوة ونخبة وطليعة جيوش الغرب المقاتلة، راسماً معادلات التسليح والتمكين التقني بمعايير حرب حديثة تستند الى مشاة البر والصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة، مقابل جيش يملك مئات الطائرات وآلاف الدبابات وقوة نار هائلة ونصف مليون جندي، ويصنف من أقوى جيوش العالم، وقد سبق وخاض حرباً شاملة على جيوش خمس دول عربية مجتمعة على ثلاث جبهات وانتصر فيها بصورة ساحقة خلال ستة أيام، وقد جاءت وقائع الحرب في أوكرانيا تقول إن الحرب الجديدة باتت حرب مشاة البر والصواريخ والدقيقة والطائرات المسيّرة، بعدما كانت كل الحروب التي سبقت منذ الحرب العالمية الأولى حرب الطائرات والدبابات.
– جاءت حرب أوكرانيا لتضع وجهاً لوجه قانون الحرب الأميركية مقابل قانون الحرب الروسية، وفي مقابل عجز جيوش الغرب عن تحمل نزف الدماء قياساً بالجيش الروسي، بفعل تباين التكوين والبنية والأهداف، ولتجنب حرب نووية مدمّرة وغير مضمونة النتائج، مع الفوارق التي راكمها بوتين لصالح التفوق الروسي، بينما اعتمد بوتين على ضباطه وجنوده وتضحياتهم وثباتهم ومن خلفهم شعبهم، واعتمد الغرب وعلى رأسه الأميركيون، على الجيش الأوكراني، ومنظمات القومية المتطرفة والنازية الجديدة، وشركات تجنيد المرتزقة، وشركات الحروب الرديفة والاستخبارية، وقدموا أسلحة وذخائر بمليارات الدولارات لتأمين أعلى نسبة توازن ممكنة في الميدان، حتى يتسنى ربح الحرب في ميدان آخر، حملته حزمات العقوبات القاتلة الأميركية والغربية، التي تستند بصورة محورية على فعالية أنابيب المال الافتراضية والى جانبها أنابيب الاعلام والمعلومات الافتراضية ايضاً، لإسقاط روسيا بالضربة القاضية؛ وبالمقابل حافظ بوتين على برودة إدارته للحرب في الميدان المباشر لضمان تقدم ثابت وتدمير منهجي لمصادر القوة المقابلة، وكان محسوماً ان يأتي التفوق لصالح روسيا في ميدان الحرب التقليدية للجيوش بفعل فوارق القدرة البشرية والتسليحية الهائلة لصالح روسيا، ولذلك وضع بوتين مطمئناً ثقله في ميادين الحرب الموازية، والرئيسية، حرب صمود الاقتصاد الروسي، وحرب بدء إنهاك اقتصادات الغرب، ومع مئة يوم من بدء الحرب ظهر أن أنابيب الغاز والموارد الطبيعية أقوى من أنابيب المال المصارف، وان الأصول الثابتة تنتصر على الاقتصاد الافتراضي، وتكرّست معادلة قانون حرب جديد، حيث قوة الأنابيب الافتراضية تكمن في تدفقها، بينما قوة أنابيب الأصول الثانية تظهر عند توقفها، وعندما تتوقف الأنابيب، يربح من يملك أنابيب الأصول الثابتة ويفقد صاحب الأنابيب الافتراضية قدرة التأثير.
– في احتفال حزب الله بأربعين ربيعاً على التأسيس وانطلاق المقاومة، يحضر كشف حساب التوازن في معادلة المواجهة بين فائض القوة المادي الناتج عن مراكمة المال والسلاح والقوة النارية، مقابل فائض قوة آتٍ من التأسيس على قيمة مضافة تمثلها القضية والفكرة والمعنويات والروح، ويثبت أن فائض القوة الناتج عن قيمة مضافة قابل بصورة متكررة للتحوّل إلى قيمة مضافة جديدة وفائض قوة جديد في عملية مستدامة لا تتوقف، والحفاظ على التفوّق الأخلاقي، يتيح تكرار العملية وتصاعدها، بينما فائض القوة الصافي قابل للتآكل، فيتحوّل إلى مجرد أكوام من الحديد والمعادن، أقرب إلى الخردة، يديرها روبوتات بلا روح، وحيث تهزم الروح تحسم الحرب لصاحب الروح المتوثبة بوجه الروح الخامدة، وتتكرس معادلة انتصار فائض القوة الآتي من قيمة مضافة لقدرته على العودة الى الأصل مجدداً كقيمة مضافة، بينما يبقى فائض القوة الجاف مجرد أرقام في جداول الحساب، تفقد قيمتها عند اختبار الميدان.
– معادلتا الأصول الثابتة والقوة الافتراضية، وفائض القوة والقيمة المضافة من جهة موازية، معادلتان جديدتان نظرياً في علم الحرب، تؤكدان نظرية الاستقطاب التفاعليّ لكتابة التاريخ، حيث الحروب ليست مجرد تقابل بين الجيوش عدداً وعدة، وبين الدول مالاً ومقدرات.
ناصر قنديل
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال