يحاول البيت الأبيض متابعة جهوده الدبلوماسية الإقليمية بشكل أوسع فيما يخص انجاز التطبيع السعودي الإسرائيلي وسط محادثات غير حاسمة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
وأعلن مسؤولون أمريكيون وسعوديون أن إدارة بايدن تضع اللمسات الأخيرة على اتفاق مع المملكة العربية السعودية يلزم الولايات المتحدة بالدفاع العسكري عن الدولة الخليجية العربية (المملكة العربية السعودية).
تعد اتفاقية الدفاع الوشيكة بين واشنطن والرياض جزءًا من اتفاقية طموحة لتشجيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. لكن نجاح هذه الجهود الدبلوماسية يعتمد على التزام تل أبيب بإقامة دولة فلسطينية، فضلاً عن الإنهاء الفوري للحرب في غزة. ونظراً لأشهر من المفاوضات غير المثمرة لوقف إطلاق النار والهجوم الذي شنته إسرائيل في نهاية الأسبوع لإنقاذ أسراها من قلب المنطقة، فإن هذه المطالب تبدو غير محتملة في ظل الظروف الراهنة.
ويتلخص هدف أميركا في منح قادة إسرائيل الفرصة لتحقيق هدفهم الذي طال انتظاره والمتمثل في تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية وفتح الباب أمام قدر أكبر من القبول في العالم العربي والإسلامي. وفي المقابل، يتعين على إسرائيل أن تدعم مساراً جديراً بالثقة نحو حل الدولتين مع الفلسطينيين؛ وهو الأمر الذي تعارضه الحكومة الإسرائيلية الحالية ومعظم الإسرائيليين.
ويتطلب إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في نهاية المطاف في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية إصلاحات صعبة في السلطة الفلسطينية وتنازلات كبيرة من قبل نتنياهو، الذي يعارض بشدة إنشاء دولة فلسطينية، بحجة أن ذلك سيعرض سلامة إسرائيل للخطر.
في الماضي، وتحت ضغط من واشنطن، كان نتنياهو يمارس معارضته بشكل معتدل أكثر، ولكن هذه المرة قد يحتاج إلى إعادة بناء ائتلافه اليميني الحالي لقبول ذلك. وتعارض أغلبية كبيرة من الإسرائيليين إنشاء دولة فلسطينية مستقلة بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الذي شنته حماس، ووفقا لاستطلاع للرأي أجري مؤخرا، فإن 74% من اليهود الإسرائيليين يعارضون ذلك، حتى لو كان ذلك جزء من عملية تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية.
وهذه الاتفاقية تجعل المملكة العربية السعودية الدولة العربية الوحيدة التي لديها معاهدة دفاع رسمية مع الولايات المتحدة. وفي حالة اتفاق الجانبين، ستكون هذه المعاهدة أول معاهدة دفاع توقعها واشنطن مع دولة أخرى منذ الستينيات. ففي ذلك الوقت تم التوقيع على "معاهدة التعاون والأمن الثنائي" بين اليابان والولايات المتحدة.
ووفقا لمتطلبات الدستور الأمريكي، فإن هذه المعاهدة، التي تعرف باسم "اتفاقية التحالف الاستراتيجي"، يجب أن تتم الموافقة عليها من قبل ممثلي الكونجرس الأمريكي ومجلس الشيوخ الأمريكي. لكن من دون ربط الاتفاق بالتزام السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فمن غير المرجح أن يحظى بدعم كاف من المشرعين الأميركيين.
وفي وقت سابق، كانت هناك مؤشرات على أن حكومة "جو بايدن"، خلافا لما حدث في الماضي، لا تعتبر تطبيع العلاقات بين النظام الصهيوني والمملكة العربية السعودية شرطا مسبقا ضروريا للمضي قدما في هذه المعاهدة الدفاعية.
وكانت تقارير إعلامية وتصريحات لمسؤولين أميركيين وسعوديين، في الأيام الماضية، أشارت إلى أن الولايات المتحدة والسعودية حققتا تقدما كبيرا في مجال الاتفاقيات الأمنية الثنائية، لكن لا تزال هناك خلافات في تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، ومن أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تريد الرياض أن تلتزم إسرائيل بمسار الاعتراف بدولة فلسطين.
كما تسعى الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشكل منفصل إلى التوصل إلى "اتفاقية تعاون دفاعي" لا تتطلب موافقة الكونجرس. وتسعى الاتفاقية إلى تعزيز مبيعات الأسلحة وتبادل المعلومات والتعاون مع المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب.
وبالنظر إلى عدم وقف إطلاق النار في غزة ومقاومة إسرائيل للاعتراف بفلسطين، تسعى المملكة العربية السعودية إلى التوصل إلى اتفاق أمني أكثر محدودية مع الولايات المتحدة، دون تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وتسعى الرياض إلى تنفيذ "الخطة ب" أو حلها البديل للاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة دون تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وستسعى السعودية في هذا البرنامج إلى توقيع اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة الأمريكية لتتمتع بمساعدة البلاد في مجال الطاقة النووية وتبادل تقنيات الذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات المتطورة.
المقرر أن يتم تقديم اقتراح لإسرائيل لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية مقابل الموافقة على حل الدولتين، لكن في الخطة الجديدة، لن يكون إتمام الصفقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مشروطا بقبول الاتفاق وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
على الجانب الآخر من القصة، لن تحقق إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الاتفاق الإقليمي الواسع الذي سعت إليه منذ فترة طويلة، على الأقل على الفور، لكنها ستسعى إلى تجنب النفوذ المتزايد من خلال هذه الشراكة الاستراتيجية مع السعوديةو منع روسيا والصين من التواجد في المنطقة.
وبالنظر إلى العقبات التي يواجهها النظام الصهيوني في طريق إقامة دولة فلسطينية مستقلة، فمن المستبعد جداً أن يكون هناك حديث عن اتفاق تطبيع وثيق بين الرياض وتل أبيب. ويبدو أن الضجة الإعلامية الأميركية حول قرب الاتفاق كانت لكسب رأي نتنياهو الذي لم يكن موفقاً بالطبع، والحكومة الإسرائيلية المتطرفة غير معنية بوقف الحرب والقتل في غزة.
السعوديون ليسوا في عجلة من أمرهم للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل. وهم يعلمون أن ذلك سيضر بمصداقية السعودية السياسية في نظر الرأي العام في العالم العربي والدول الإسلامية، خاصة إذا اعتبرنا أن السعوديين قد حددوا لأنفسهم مكانة أعلى لدى الرأي العام العربي مقارنة بالإمارات والبحرين.
ويرتبط تردد الرياض أيضاً بتدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن. ولا تريد الرياض أن يذهب الفضل في توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب إلى إدارة بايدن. يفضل ولي العهد السعودي الانتظار حتى الانتخابات الأمريكية المقبلة، ويأمل في عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة.
كما أن إسرائيل لا ترى حاجة فورية للتطبيع الرسمي، لأن السعودية تعاونت بالفعل بشكل وثيق مع الإسرائيليين في العديد من المجالات. وحتى بدون انضمام السعودية إلى اتفاقيات إبراهيم، فمن المرجح أن يواصل ولي العهد السعودي التعاون الضمني مع حكومة نتنياهو. هذه العملية هي استمرار لعلاقة بدأت منذ عقود مضت، وهي بالطبع مخفية عن الرأي العام.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال