يبدو أن العدوان الإسرائيلي على غزة وما خلفه من شهداء ودماء وجرح لم يحرك ساكنا في وجدان بعض الحكومات العربية التي ما تزال تسعى لتقديم بنود الطاعة لكيان الاحتلال عبر مختلف الطرق المتاحة.
حيث أتم مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، زيارته إلى السعودية على وقع مساع أمريكية رامية لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق بشأن الضمانات الأمنية الأمريكية والمساعدة النووية المدنية للرياض، وذلك بالتزامن مع تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية "واس"، الأحد، محمد بن سلمان التقى سوليفان، في مدينة الظهران للتباحث في العدوان على قطاع غزة، والاتفاق الثنائي بين الرياض وواشنطن، مشيرة إلى أن اللقاء بحث الصيغة شبه النهائية لمشروعات الاتفاقيات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية، التي قارب العمل على الانتهاء منها.
وتسعى السعودية إلى إنجاز اتفاق متعلق بالمساعدات النووية المدنية مع الادارة الاميركية الحالية، وذلك في إطار عمل واشنطن على التوصل إلى اتفاق أوسع لتطبيع العلاقات بين الرياض والاحتلال الإسرائيلي ضمن "صفقة كبرى" في الشرق الأوسط، بحسب وكالة رويترز وهو ما قد يتأخر نتيجة لحرب الابادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة.
لا توفر أمريكا أدنى جهد لإيجاد سبيل لمنح السعودية عددا من المطالب مثل اتفاق نووي مدني وضمانات أمنية ومسار نحو إقامة دولة فلسطينية وذلك في مقابل موافقة الرياض على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
وخلال زيارته للسعودية، بحث مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض وولي العهد السعودي "مسارا ذي مصداقية نحو حل الدولتين لإسرائيل والفلسطينيين، وضرورة وقف الحرب في غزة، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية"، بحسب وكالة "واس".
وفي وقت سابق، نقلت وكالة رويترز عن سبعة أشخاص وصفتهم بـ "المطلعين" قولهم إن إدارة بايدن والسعودية تضعان اللمسات النهائية على اتفاق بشأن الضمانات الأمنية الأمريكية والمساعدة النووية المدنية للرياض.
إعلاميا فإنه يتم الترويج بأنه من المتوقع أن تشارك الطاقة النووية في جزء من مساعي السعودية الرامية إلى توليد طاقة متجددة كبيرة وخفض الانبعاثات، وفق رؤية السعودية 2030 التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
إلا أن مخاوف الكيان الغاصب وامريكا تتجلى في احتمالية أن تقوم الرياض في اكتساب الخبرة النووية في حال أنها أرادت يوما الحصول على أسلحة نووية، لكن أي اتفاق مع واشنطن سينص على ضمانات للحيلولة دون ذلك، بحسب وكالة فرانس برس.
ولكن بعيدا عن الحديث الاعلامي وما يتم الترويج له فإن ولي العهد السعودي صرح في أكثر من مناسبة بأن بلاده ستحذو حذو دول أخرى عملت على تطوير سلاح نووي، وهو ما يجعل الاتفاق النووي المدني المحتمل بين واشنطن والرياض مصدر قلق لدى المدافعين عن الحد من انتشار الأسلحة وبعض أعضاء الكونغرس الأمريكي.
من الممكن للولايات المتحدة التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق تعاون نووي مدني مع دول أخرى، وذلك بموجب المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي لعام 1954.
وتحدد هذه المادة تسعة معايير يجب على تلك الدول الوفاء بها لمنعها من استخدام التكنولوجيا لتطوير الأسلحة النووية أو نقل المواد الحساسة إلى الآخرين. وينص القانون كذلك على ضرورة مراجعة الكونغرس لمثل هذه الاتفاقيات والموافقة عليها، بحسب وكالة فرانس برس.
تعتقد الإدارة الأمريكية أن الدعم السعودي للتطبيع ربما يتوقف جزئيا على إبرام اتفاق نووي مدني، لذلك لم تخف واشنطن أملها في التوسط في ترتيب طويل الأمد ومتعدد المراحل يقود السعودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي نحو تطبيع العلاقات.
ويأتي دعم أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تخوض عدوان وحشيا على قطاع غزة زعزع مكانتها عالميا، في مقدمة الفوائد الاستراتيجية التي تسعى الولايات المتحدة إلى كسبها من الاتفاق مع السعودية على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
وعلى الصعيد التجاري، فإن من شأن اتفاق النووي المدني المحتمل مع الرياض أن يساهم في وضع قطاع الصناعة الأمريكي في موقع رئيسي للفوز بعقود بناء محطات الطاقة النووية السعودية، إذ تتنافس شركات الطاقة النووية الأمريكية مع نظيراتها في روسيا والصين ودول أخرى على الأعمال التجارية العالمية.
ووفق مصادر إعلامية فإنه مؤخراً، وُضع الملف النووي السعودي على الطاولة الصهيونية، وهو أمر ما كان ليُطرح لولا وجود أهداف استراتيجية أخرى ترى دولة الاحتلال أنه يمكن تحقيقها بما يضمن بقاءها واستمرارها لفترات طويلة في المنطقة، ففي المنظور الاستراتيجي ترى دولة الاحتلال أن التطبيع مع السعودية سيجر وراءه عشرات الدول العربية والإسلامية للتطبيع، وهو ما سيحقّق تغييراً جذرياً في النظرة إليها، ويضمن أن تتحوّل من كيان يُنظر إليه بأنه “سرطاني” إلى كيان طبيعي.
وظل سعي السعودية لتخصيب اليورانيوم نقطة شائكة في المحادثات بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل، ما دفعها إلى توطيد علاقاتها مع الصين للحصول على ما تريده. ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في آب الماضي، يدرس السعوديون عرضا صينيا لبناء محطة طاقة نووية مدنية في المملكة. وكان الاتجاه نحو بكين رسالة تهدف إلى الضغط على البيت الأبيض لمنح تنازلات بشأن أهداف الرياض في مجال الطاقة النووية.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال