رغم المساعي الدائمة والجدية التي يتم التحدث من قبل الدوحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة إلا أنها جميعها باءت بالفشل وكثرت التكهنات في وسائل الإعلام الغربية والعربية حول ما إذا كانت حماس تدرس نقل مكتبها السياسي من قطر إلى بلد آخر، أو ما إذا كانت قطر تعتزم ترحيل قادة حماس وإغلاق المكتب.
وهو ما نفته كل من قطر وحماس إلا أن المؤكد وجود استياء وإحباط قطري من بعض الأطراف وتعرض الدوحة لضغوط، ما دفعها إلى الإعلان عن أنها بصدد تقييم وساطتها بين حماس وإسرائيل.
حيث تعرضت قطر لانتقادات إسرائيلية متكررة، ولا سيما من قبل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي قال إنها تمول حماس، وطالبها في أواخر كانون الثاني الماضي بالضغط على الحركة للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، وقد وصف وزير خارجية قطر تصريحات نتنياهو بأنها محاولة للمماطلة وإطالة أمد الحرب، مؤكدا التزام قطر بجهود الوساطة وإنهاء الأزمة.
وتلت هذه الأحداث الزيارة التي أجراها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى تركيا ولقائه بالرئيس رجب طيب أردوغان والتي حملت عدة دلالات أولها أن لقاء هنية وأردوغان هدفه إظهار مزيد من الاحتضان التركي للحركة.
كما أن تركيا أبدت رغبة في لعب دور الوسيط الرئيسي بين حماس وإسرائيل للتوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب. فالضغط الذي تتعرض له قطر من قبل كيان الاحتلال وبعض الدوائر الأمريكية في واشنطن بسبب علاقتها بحماس، أثار شكوكاً حول قدرة الدوحة على مواصلة لعب دور الوسيط، خلقت انطباعاً بأن تركيا قد تكون الخيار البديل لها في مجال الوساطة.
مع ذلك، قد يكون هذا الانطباع غير واقعي. من المؤكد أن إسرائيل مُحبطة من كون قطر لم تمارس بالنيابة عن تل أبيب وواشنطن ضغطاً على حماس لإقناعها بالقبول بالمقترحات الأمريكية والإسرائيلية لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن. لكنّ ذلك لا يعني بأي حال أن الإسرائيليين يعتقدون أن إدخال تركيا إلى خط الوساطة سيعود عليهم بالفوائد الكبيرة التي لم يحصلوا عليها لسببين، الأول أن أنقرة ليست طرفاً مُحايداً في هذا الصراع تماماً وهي تدعم وجهة نظر حماس بوضوح.
وعلى المقلب الآخر وبالتمعن جيدا في سلوك الدول ومواقفها نجد أن سلطنة عمان هي أحد الخيارات المطروحة لتكون بديلا فعليا عن قطر لتلعب دور الوساطة وأكثرها منطقية ونفعا فإن سلطنة عُمان نجحت على مدى العقود الماضية في أن تحافظ على حيادها رغم وجودها في منطقة متوترة حافلة بالصراعات والخلافات،
وأبقت على خطوطها مفتوحة مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية، وهو ما يجعلها دائماً وأبداً قادرة على الحديث والتواصل مع الجميع، وقادرة على صياغة تفاهمات مهمة في المنطقة، والقيام بدور فعال في جهود التهدئة كلما اندلع صراع أو توتر في المنطقة، وذلك بفضل التزامها بدور محايد ومستقل، إضافة إلى حرصها على النأي بالنفس عن الأزمات والصراعات.
تعد سلطنة عُمان مركزاً مهماً للاتصالات والحوارات واللقاءات الإقليمية والدولية الرامية إلى حل الصراعات والخلافات بالطرق السلمية، وقد اكتسبت مكانة عالمية مرموقة عبر العديد من التجارب والخبرات في هذا الشأن.
سلطنة عُمان تحتل موقعاً في المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط يشبه الموقع الذي تحتله سويسرا، مع الفروقات بين تجربة البلدين في الحياد الإيجابي، وقد بنت السلطنة لنفسها هذا الموقع الحيوي والمحوري عبر سياسة خارجية متزنة وحكيمة جعلتها تنأى بنفسها عن الدخول في أي توترات أو خلافات مع أي طرف إقليمي أو دولي، وهو ما يؤهلها أن تلعب في المستقبل أدواراً مؤثرة إقليمياً ودولياً، لا سيما الأدوار التي تلعبها تحت مظلة منظمات المجتمع الدولي وفي مقدمتها الأمم المتحدة.
ويتساءل مراقبون إمكانية استبدال الدور القطري بالدور العماني فعليا وخاصة أن هناك اشارات باستبعاد مصر نهائيا من الدخول بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بعد انتشار تقارير اعلامية تتهمها بالمراوغة وتأخذ عليها مواقفها تجاه القضية الفلسطينية.
وهكذا سننتظر في الأيام القادمة من سوف تختار القيادة الحمساوية في قطر أن تنتقل إليه وتبتعد عن قطر وتبتعد عن الضغط الذى تمارسه عليها الولايات المتحدة لحل المشكلة بين حماس وإسرائيل. وهي من القرارات الصعبة التي ستواجه حماس في الأيام القادمة، ورغم أن هناك البعض من قادة حماس قد أعلنوا عدم صحة نقلهم من قطر إلا أن كل الشواهد والمعلومات التي صدرت تؤكد أن هناك تفكيرا جديا من قادة حماس لمغادرة قطر.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال