خلال الأسابيع الماضية، وبعد عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر) التي نفذتها حماس، عملت وسائل الإعلام الغربية والتابعة لإسرائيل على إدانة هذه العملية وإدانة الفلسطينيين في هذه القضية إلى جانب الدعم الواسع النطاق من رؤساء الدول الغربية لإسرائيل وإدانة أعمال حماس، بغض النظر عن سلوك إسرائيل، والتي أدت إلى أعمال وحشية وفظيعة للغاية من قبل إسرائيل في غزة.
جيل الصحوة في أوروبا؟
إسرائيل، التي لم تكن خائفة أو مترددة من استخدام أي نوع من أساليب العنف، وبالدعم الهائل الذي تلقته من الدول الغربية، نفذت إبادة جماعية واسعة النطاق وتهجير قسري لشعب غزة. وقد حظيت هذه القضية بدعم إعلامي واسع النطاق من قبل الشبكات الإخبارية الداعمة لهذا النظام، ولم يكن قادة إسرائيل يتصورون قط أن الرأي العام العالمي سيستيقظ بهذه الطريقة ويضغط على حكوماتهم ضدهم.
وعلى الرغم من الدعم الإعلامي والسياسي الشامل لإسرائيل، إلا أن جيل الشباب الأوروبي، أو الجيل الحالي، كان من أول الدعمين والمتعاطفين مع الشعب الفلسطيني. لقد ابتعد هؤلاء الشباب عن العملية الإعلامية التقليدية والمزيفة، وهذا الجيل الشاب لا ينخدع بالسرديات التقليدية للإعلام الغربي لأنه يتلقى أخباره مباشرة من فلسطين وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. إنهم لا يعيرون أي اهتمام لأكاذيب وسائل الإعلام الغربية ولا يمكن إسكات أصواتهم الحرة، ولايهتمون لممارسات لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية (إيباك) وجماعات الضغط الإسرائيلية التي تنفق مبالغ ضخمة من المال لإسكات الأصوات الفلسطينية. لا يمكن السيطرة على الجيل الجديد في ردود الفعل المباشرة ودعم المظلومين، فهذا الجيل هو جيل رائدٌ منفتحٌ ومطالبٌ بالحق ومثابر وراء الحقيقة، وهذا ما جعله مختلفا تماما عن أسلافه.
وهذا الجيل من الناخبين الأوروبيين أيضاً هو الذي سيحمّل الساسة الأوروبيين المسؤولية عن صمتهم وتواطئهم في الإبادة الجماعية في غزة. ولا يزال الزعماء الأوروبيون يقللون من أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة لهؤلاء الناخبين الشباب. يستطيعون هؤلاء الشباب وهم لديهم الإرادة في تغيير كل شيء من خلال الانتخابات، وهو الأمر الذي لم يأخذه القادة الأوروبيون على محمل الجد، ويعتقدون أن بإمكانهم الاستمرار في العمل كالمعتاد بموقفهم الداعم لإسرائيل دون إدانتها. وقد أرسل الناخبون الأوروبيون الشباب هذه الرسالة إلى قادتهم الذين يحتاجون إلى تغيير مواقفهم. لكن زعماء الاتحاد الأوروبي ما زالوا لا يفهمون هذه الحقيقة ولا يعيرونها الكثير من الاهتمام.
بالإضافة إلى ذلك، كان رد فعل الزعماء الأوروبيين على الحرب مع غزة دليل على ضعف القيادة. الصمت في هذا الوقت يمكن أن يعني التواطؤ مع النظام الإسرائيلي. وقد رفض زعماء الدول الأوروبية الكبرى، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، مزاعم ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات للقانون الإنساني الدولي في غزة [1]. وحذت حذوها القوى الأصغر في الاتحاد الأوروبي مثل بلغاريا حيث توجه رئيس الوزراء البلغاري نيكولاي دينكوف إلى تل أبيب للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكن هناك استثناءات قليلة جدًا تخالف هذا النهج الرسمي فقد دعت نائبة رئيس الوزراء البلجيكي، بيترا دي سوتر، إلى فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل. وسارع السياسيون الأيرلنديون أيضًا إلى إدانة مقتل الأطفال الفلسطينيين في غزة. ومن بين الزعماء الأوروبيين، يعتبر وزير الحقوق الاجتماعية الإسباني، يون بيلارا، الزعيم الأوروبي الوحيد الذي تجرأ على وصف الوضع في غزة بأنه "إبادة جماعية". كما طالب بمحاكمة نتنياهو[2]. لكن يجب أن نعلم أن هذا الوزير يعتبر استثناء في المجال السياسي لأوروبا وهذا ليس التوجه الرسمي للاتحاد الأوروبي، رغم أن المواقف الأخيرة للسيد بوريل المسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي أصبحت إلى حد ما تنتقد تصرفات إسرائيل، ولكن هذا بالنسبة للشباب والجيل الصاعد لايعتبر كافيا.
ومع تحول الشباب الأوروبي إلى قناة الصوت الفلسطيني، فقد تمكنوا من اختراق جدار المعلومات الذي بنته وسائل الإعلام التقليدية ودمرته قوة وسائل التواصل الاجتماعي. سوف يتحدى الجيل الجديد الساسة الأوروبيين، وسيتعين على القادة الأوروبيين مواجهة هذا التحدي عاجلاً أم آجلاً. وخاصة أن هذا الجيل حساس لازدواجية حقوق الإنسان والمعايير الأخلاقية لساسته، وتطرح عليهم أسئلة كثيرة. والحقيقة أن تصرفات زعماء الاتحاد الأوروبي أصبحت ورقة رابحة لفلسطين في نظر الرأي العام الغربي، والآن يخرج الناس في الغرب إلى الشوارع لدعم الإنسانية في فلسطين، وأن قضية فلسطين لم تعد سياسية فقط بل إنسانية وهذا ما جعل المظاهرات الواسعة النطاق التي انتشرت في كل أنحاد العالم بعيدة عن التمييز في الون والعرق والدين وستشمل كل فئات الشعب. وسيكون هذا نصراً كبيراً للإنسانية وللشعب الفلسطيني وهزيمة كبيرة للنظام الإسرائيلي.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال