هل قوقاز بلدٌ لتسوية الحسابات! 164

هل قوقاز بلدٌ لتسوية الحسابات!

يبدو أن النزاعات في جنوب القوقاز عقب حرب قره باغ أخذت تتجه جزئياً نحو التفاوض والحوار. لكن هذه المسألة في الظاهر أكثر من كونها دليل على التحرك نحو سلام مستدام، تبدو وكأنها فقط هدوء قبل العاصفة، عاصفةٌ من المحتمل أن تؤدي إلى معركة شاملة بين أذربيجان وأرمينيا. الصراع بين أرمينيا وأذربيجان حول قضية قره باغ ليس موضوعاً جديداً ولكن حضور القوى الإقليمية الكبرى ومصادر القوة العالمية في هذه التوترات والصراعات هو ما يشير إلى أن قوقاز الجنوبية أصبحت ساحة جديدة لتصفية الحسابات.

في هذه الساحة انخرطت قوى متعددة مثل تركيا وفرنسا واليونان والولايات المتحدة و روسيا والصين والآن انضمت الهند وباكستان أيضًا إلى هذه الساحة. الهند وباكستان اللتان تسعيان إلى التنافس الجيوسياسي وتواجهان تحديات طويلة الأمد، فتحتا ساحة قتال جديدة ضد بعضهما البعض في صراعات قره باغ.

دخلت باكستان إلى قوقاز قبل الهند ووقفت كشريك تجاري في شراء الأسلحة بجانب أذربيجان لقد وقّعوا عقوداً لبيع الطائرات الحربية مع حكومة علييف.[1] في الواقع استغلّت باكستان الفرصة التجارية في مجال السلاح كجزء من طموحاتها للتطوير الاقتصادي. وفي هذا السياق استطاعت أرمينيا إقناع الهند ببيع بعض الأسلحة الدفاعية، وبعدما رأت أرمينيا أن أذربيجان قد وقعت على عقود تجارية عسكرية مع باكستان تواصلت مع منافس باكستان في شبه القارة الهندية. فوقّعت الهند أيضاً عقوداً لبيع أنظمة دفاعية متنوعة مع أرمينيا وانطلقت للمنافسة الجيوسياسية في قوقاز الجنوبية.[2]

إنّ وجود القوى الكبرى في منطقة قوقاز الجنوبية قد أسهم بشكل كبير في تصعيد المنافسة التسليحية في هذه المنطقة. هذه المنافسة قد تؤدي إلى زيادة احتمالية النزاع ويجب على الأمم المتحدة أن تُظهر مسؤولية كافية حيال ذلك قبل فوات الأوان لأن هذا التوجه الذي تسلكه أذربيجان وأرمينيا يمكن أن يتحول في النهاية إلى حرب شاملة. ومن المؤكد أن هذه الحرب الشاملة لن تقتصر فقط على المجال العسكري بل يمكن أن تؤثر أيضًا على مجالات أخرى مثل الطاقة ومسارات الكوريدورات الدولية. التأثير في هذه الحالة نظرًا لدور اللاعبين الكبار في هذا الصراع يمكن أن يكون لصالح طرف وضد الآخر ولكن دون شك سيكون الخاسر الأبرز هم السكان في هذه المنطقة.

حضور الصين كواحد من اللاعبين الرئيسيين في ساحة النظام الدولي أضاف المزيد من التعقيد إلى المنافسة في هذه المنطقة. بالنسبة للصين يمكن أن تصبح هذه المنطقة ساحة قيمة للضغط على الغرب. في الواقع قد تؤثر الصين على أحد مسارات تأمين الطاقة وطرق النقل إلى أوروبا وفي ذات الوقت يمكنها استخدام ورقة قوية ضد تركيا لتعزيز قدرتها على السيطرة على تركيا في وسط آسيا حيث تسعى تركيا لزيادة نفوذها هناك أيضاً. بالإضافة إلى ذلك يمكن للصين الاستفادة من هذه المسارات في إطار طموحاتها المتعلقة بالطريق الحرير الجديد. كما أنه إذا استطاعت الصين أن تلعب دورًا مؤثرًا في إنهاء هذه النزاعات فإن مكانتها كفاعل رئيسي ستتزايد وسيكون لذلك تأثير ملموس على تعاملاتها المستقبلية مع القوى الأخرى.

بالإضافة إلى ذلك فإن هذه فرصة كبيرة للهند أيضًا لزيادة نفوذها في هذه المنطقة فالهند التي تخوض منافسة واسعة مع الصين وباكستان تأمل أن تستغل هذه الفرصة لتحسين موقفها كما يسعون إلى الحفاظ على مسار الممر الدولي للنقل من خلال التقارب مع أرمينيا وإذا كانت أنظمتهم العسكرية قوية وناجحة في النزاعات المحتملة فستكون هناك فرصة لزيادة اقتصاداتهم العسكرية. لكن يتعين على الهند إدارة نهجها في هذه المنطقة بشكل صحيح حيث أن روسيا تعتبر دولة ذات قيمة أكبر للهند بالنسبة لأرمينيا. في حين أن العلاقات بين أرمينيا وروسيا شهدت برودة بعض الشيء وينبغي على الهند أن تأخذ في اعتبارها ألا تتجاوز الخطوط الحمراء لروسيا أو أن تجد طريقة لمرافقة روسيا بسياساتها لا سيما في المجال العسكري.

بشكل عام يبدو أن منطقة القوقاز في طريقها لتصبح ساحة جديدة للقوى الكبرى والناشئة. بلا شك ستكون لهذه الأحداث عواقب وخيمة على دول المنطقة وجيرانها وفي هذا السياق يجب على إيران أن تلعب دورًا نشطًا في هذه المنطقة لضمان مصالحها. فينبغي لإيران بصفتها قوة إقليمية وجارة للدولتين أن تتخذ دورًا أكثر فعالية في عملية السلام وتستخدم أدواتها الدبلوماسية والثقافية المتاحة لديها في المنطقة لتذكير جيرانها وبقية الفاعلين بأهمية موقعها لأنه إذا ظلت إيران متفرجة فقط في هذه المنطقة فقد تتحمل عواقب سياسية وجغرافية يصعب تعويضها.

امین مهدوي


[1] euronews.com
[2] tasnimnews.com
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال